للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وصمت في دهشة وانزعاج - ماذا بك بحق السماء؟

(فتلعثم الرجل قائلاً - لحظة واحدة. لحظة واحدة.

(ثم ندت شفتاه عن آهة عميقة، وتمخط بصوت جهوري وأخيراً قال - إني على ما يرام الآن. حسن. منذ اثنتي عشر عاماً.

(ولن أحدثكم بما أخبرني به، فإنه من أسرار الاعتراف، فضلاً عن أنه كان حديثاً عن أفعال وحشية مخيفة تشمئز منها النفوس. مهما يكن من الأمر فإني لا أستطيع إعادة ما قاله الرجل من تفاصيل مفزعة ليس لها مثيل حتى في عالم الخيال. ودار في خلدي أن أهرب من المقصورة، أو أصم أدني عن سماع أقواله، أو أفعل شيئاً من هذا القبيل. وحشوت فمي بجزء من حلتي الكهنوتية حتى أمنع صيحة من الرعب تكاد تخرج مني. وأخيراً قال الرجل وقد تمخط في رضا وارتياح - حسن. الآن وقد انجاب عن صدري ذلك الأمر أقدم لنيافتك عظيم شكري.

(فقلت في دهشة - انتظر قليلاً. إنك لم تكفر بعد.

(فقال في غير كلفة وهو يحدجني بنظرة من خلال النافذة الصغيرة القائمة بيني وبينه - ومن تحسبني أيها الأب؟ إني لا أومن بمثل ذلك. ما جئت هنا إلا لأريح شعوري. أنت تعرف أنه عندما تنقضي علي مدة دون أن أتحدث عما اقترفته، عندئذ يتراءى لي فلا أستطيع النوم، وأعجز عن إغماض عيني. وعندما أصل إلى هذه الحالة أراني مضطراً إلى الإفضاء بكل ما في قلبي. ولهذا السبب أتيت إلى هنا، لأن هذا من صميم عملك، ولأني أعلم أنك لا بد أن تحتفظ به في سريرتك. إنه سر الاعتراف. أما الغفران فإني لا أهتم به ولا قلامة ظفر. فهو لا يجدي إذا كنت عديم الإيمان. حسن. أرجو أن تتقبل شكري الجزيل واحترامي الزائد.

(وقبل أن أدرك ما الذي حدث كان الرجل قد خرج من الكنيسة يتهادى في رضاء.

(وبعد أن انصرم ما يقرب من عام عاد الرجل إلي مرة أخرى التقى به أمام الكنيسة وقد بدا شاحب الوجه، ذليلاً في مسكنه، وتلعثم وهو يقول - هل أستطيع أن أعترف لك يا صاحب النيافة؟

(قلت - اسمع. إنك لا تستطيع الاعتراف بلا غفران. إن هناك حداً لهذا. فإذا أنت لم

<<  <  ج:
ص:  >  >>