إعمل يا صاحبي عملك؛ فإذا رأيت في العاملين من يضجر فلا تضجر مثله، بل خذ اطمئنانه إلى اطمئنانك، ودعه يخلو وتضاعف أنت.
أنه ليوشك أن يكون في الناس ناسٌ (كالبنوك): هذه مستودعات للمال تحفظه وتخرج منه وتثمِّره، وتلك مستودعات للفضائل تحفظها وتخرج منها وتزيدها. وإفلاس رجل من أهل المال هو إطلاق النكبة مسدسها على رجل تقتله؛ ولكن إفلاس (بنك) هو إطلاق النكبة يدفعها الكبير على مدينة تدمرها.
قلت لنفسي: فما أشد الألم في تحويل هذا الجسد إلى شبه روح مع الروح! تلك هي المعجزة التي لا توجد في غير الأنبياء، ولكن العمل لها يجعلها كأنها موجودة. والأسد المحبوس محبوسة فيه قوته وطباعه؛ فان زال الوجود الحديدي من حوله، أو وهنت ناحية منه انطلق الوحش. والرجل الفاضل فاضل مادام في قفصه الفكري، وهو مادام في هذا القفص فعليه أن يكون دائماً نموذجاً معرضاً للتنقيح الممكن في النفس الإنسانية، تصيبه السيئة من الناس لتختبر فيه الحسنة، وتبلوه الخيانة لتجد الوفاء، ويكسر به البغض ليقابله بالحب، وتأتيه اللغة لتجد المغفرة؛ وله قلب لا يتعب فيبلغ منزلةً إلا ابتدأ التعب ليبلغ منزلةً أعلى منها، وله فكر كلما جهد فأدرك حقيقة كانت الحقيقة أن يجهد فيدرك غيرها. وقات لي النفس: إن من فاق الناس بنفسه الكبيرة كانت عظمته في أن يفوق نفسه الكبيرة؛ إن الشيء النهائي لا يوجد إلا في الصغائر والشر، أما الخير والكمال وعظائم النفس والجمال الأسنى فهذه حقائق أزلية وجدت لنفسها؛ كالهواء يتنفسه كل الأحياء على هذه الأرض ولا ينتهي، ولا يعرف أين ينتهي؛ وكما ينبعث النور من الشمس والكواكب إلى هذه الأرض، يشبه أن تكون تلك الصفات منبعثة إلى النفوس من أنوار الملائكة، وبهذا كان أكبر الناس حظاً منها هم الأنبياء المتصلين بتلك الأنوار.
ومن رحمة الله أن جعل في كل النفوس الإنسانية أصلاً صغيراً، يجمع فكرة الخير والكمال وعظائم النفس والجمال الأسنى، وقد تعظمُ فيه هذه الصفات كلها أو بعضها، وقد تصغر فيه بعضها أو كلها. ألا وهو الحب.
لابد أن تمر كل حياةٍ إنسانية في نوع من أنواع الحب؛ من رقة النفس ورحمتها، إلى هوى النفس وعشقها. وإذا بلغ الحب أن يكون عشقاً، وضع يده على المفاتيح العصبية للنفس،