الصفات البدائية في ذلك الشعب الجديد، وينيم أو يقاوم الصفات الراقية في نفسه أفراداً وجماعات؛ فتنشط الدافع الحيوية الأولية، كأنما يستعيد الإنسان خطواته الأولى؛ بفارق واحد أنه هنا مسلح بالعلم، الذي ولد مولده، وخطأ على خطواته. والعلم في ذاته - وبخاصة العلم التطبيقي - لا عمل له في حقل القيم الإنسانية، وفي عالم النفس والشعور. وبذلك ضاقت آفاقه، وضمرت نفسه، وتحددت مشاعره، وضؤل مكانه على المائدة العالمية الزاخرة بالأنماط والألوان
وقد يدهش الإنسان وهو يقرأ قصص الجماعات الأولى التي هاجرت إلى أمريكا في أيامها الأولى، ويتصور كفاحها الطويل العجيب، مع الطبيعة الجامحة في تلك الأصقاع المترامية، ومن قبل مع أنواء المحيط الرعيبة، وأمواجه الجبارة، في تلك القوارب الصفار الخفاف؛ حتى إذا رست على الصخور محطمة أو ناحية لقيت النازحين، مجاهل الغابات، ومتاهات الجبال، وحقول الجليد، وزعازع الأعاصير، ووحوش الغابات وأفاعيها وهوامها. . . لقد يدهش الإنسان كيف لم يترك هذا كله ظلاله على الروح الأمريكية إيماناً بعظمة الطبيعة وما وراء الطبيعة، ليفتح لها منافذ أوسع من المادة وعالم المادة
ولكن هذه الدهشة تزول حين يتذكر ذلك المزيج من الملابسات، وذلك المزيج من الأفواج. لقد قابلوا الطبيعية بسلاح العلم وقوة العضل، فلم تثر فيهم إلا قوة الذهن الجاف؛ وقوة الحس العارم، ولم تفتح لهم منافذ الروح والقلب والشعور، كما فتحتها في روح البشرية الأولى، التي احتفظت بالكثير منها في عصر العلم، وأضافت به إلى رصيدها من القيم الإنسانية الباقية على الزمان
وحين تغلق البشرية على نفسها منافذ الإيمان بالدين؛ والإيمان بالقيم الروحية جميعاً؛ لا يبقى هنا لك متصرف لنشاطها إلا في العلم التطبيقي والعمل، وإلا في لذة الحس والمتاع. وهذا هو الذي انتهت إليه أمريكا بعد أربعمائة عام