المشاعر، وأشكال من صور الحياة وتهاويل الخيال، بعدما تهذبت روحه بالدين، وتهذب حسه بالفن، وتهذب سلوكه بالاجتماع. بعدما صيغت مثله ومبادئه من واقعية التاريخ، ومن أشواقه الطليقة. وسواء تحققت هذه المبادئ والمثل أم لم تتحقق في الحياة اليومية، فقد لقيت على الأقل هواتف في الضمير، وحقائق في الشعور، مرجوة التحقق في يوم من الأيام، قرب أم بعد، لأن وجودها حتى في عالم المثال وحده، خطوة واسعة من خطوات البشرية في مدارج الإنسانية، وشعاع مضيء من الرجاء في تحقيقها يوماً من الأيام
أما في أمريكا فقد ولد الإنسان على مولد العلم، فآمن به وحده، بل آمن بنوع منه خاص، هو العلم التطبيقي؛ لأنه وهو يواجه الحياة الجديدة في القارة الجديدة؛ وهو يتسلم الطبيعة هنالك بكراً جامحة عتيدة؛ وهو يهم أن ينشئ ذلك الوطن الجديد الذي أنشأه بيده، ولم يكن له من قبل وجود؛ وهو يصارع ويناضل لبناء هذا الوطن الضخم. . . كان العلم التطبيقي هو خير عون له في ذلك الجهد والتنظيم والإنتاج
ولم يفرغ الأمريكي بعد من مرحلة البناء، فما تزال هنالك مساحات شاسعة لا تكاد تحد من الأراضي البكر التي لم تمسها يد؛ ومن الغابات البكر التي لم تطأها قدم، ومن المناجم البكر التي لم تفتح ولم تستغل، وما يزال ماضياً في عملية البناء الأولى، على الرغم من وصوله إلى القمة في التنظيم والإنتاج
ويحسن ألا ننسى الحالة النفسية التي وفد بها الأمريكي إلى هذه الأرض فوجاً بعد فوج، وجيلاً بعد جيل، فهي مزيج من السخط على الحياة في العالم القديم، والرغبة في تحرير من قيوده وتقاليده، ومن هذه القيود والتقاليد الثقيل الفاسد، والضروري السليم، ومن الرغبة الملحة في الثراء بأي جهد وبأية وسيلة؛ والحصول على أكبر قسط من المتاع تعويضاً عما يبذله من الجهد في الثراء
وبحسن ألا ننسى كذلك الحالة الاجتماعية والفكرية لغالبية هذه الأفواج الأولى التي تألفت منها نواة هذا الشعب الجديد. فهذه الأفواج هي مجموعات من المغامرين، ومجموعات من المجرمين؛ فالمغامرين جاءوا طلاب ثراء ومتاع ومغامرات؛ والمجرمون جئ بهم من بلاد الإمبراطورية الإنجليزية لتشغيلهم في البناء والإنتاج
ذلك المزيج من الملابسات، وهذا المزيج من الأفواج، من شأنه أن يستنهض وينمي