للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أحسبه قد شارك أباه في تحرير الصحف التي أخرجها في عهد المرحوم الخديوي إسماعيل، فتاريخها إن لم يكن أبعد من مولده، فهو أبعد في أرجح الظن، من حمله القلم والله أعلم!

وكان أبوه، رحمة الله عليهما، كثير الاختلاف إلى الآستانة مثوى الخلافة يومئذ، فكان يصحبه في بعض هذه الرحلات، وقلد إبراهيم بك في زمن السلطان عبد الحميد منصب المستشار لوزارة المعارف العثمانية، وأقام فيه بضع سنين، لعلها تسع إن صدقتني ذاكرتي؛ فقضى محمد في الآستانة هذه السنين.

ولما اعتزل المرحوم إسماعيل باشا إمارة مصر، وآثر المقام في إيطاليا دعا بإبراهيم بك ليؤنسه ويسامره، ويخدمه في بعض مساعيه عند السلطان. فحمل معه ولده وأقاما في نابولي في قصر إسماعيل بضع سنين. ومن هنا تدرك كيف حذق محمد لغة التليان.

ولقد طاف كثيراً ببلاد أوربا، إما موفداً من أبيه في بعض مساعيه، وإما متفرجاً متنزهاً. وله في وصف مؤتمر باريس سنة ١٩٠٠ مقال بارع بديع، كان ينشر منجماً في مصباح الشرق وطاف كذلك بالبلاد السورية، وزار المدينة المنورة ووصف القبر الشريف أحسن وصف وأبدعه، ونشره في جريدة المؤيد.

واستقر المويلحيان أخيراً في مصر ما يبرحانها إلا للنزهة والرياضة. وأصدر صحيفة

(مصباح الشرق). وقد مرت بك صفتها في أول مقال. ثم طواها كما ذكرت لك، واعتكف في داره لا يلى عملاً عاماً: حتى عين في سنة ١٩١٠ رئيساً لقسم الإدارة والسكرتارية في ديوان (عموم) الأوقاف، وأزيل عن هذا المنصب بعد إذ قامت الحرب العظمى، وتبدلت الحال، لأسباب لا يحتمل ذكرها هذا المقال. فعاد إلى اعتكافه لا يتدلى إلى البلد إلا في قضاء حاجة، أو مساهرة من يستطيب مجالستهم من الصحاب، وظل كذلك إلى الشكاة التي مات فيها، عليه رحمة الله. وكانت وفاته في يوم ١٠ مارس سنة ١٩٣٠.

أخلاق المويلحي وعاداته:

قبل أن أطرق هذا الباب من مسيرة الرجل يحسن بي أن أقرر أنه لم يكن على حظ من نطاقة اللسان؛ بل لقد كان يعتريه في بعض الحديث ما يشبه الحبسة؛ بل لقد تتعثر الكلمة في حلقه فلا يستطيع أن يلفظها إلا بمط عنقه، كأنما يمرئ لها مجرى الصوت.

ومن أهم ما يلفت النظر في خلاله أنه كان أقل خلق الله تأثراً بما يغمر المرء من متعارف

<<  <  ج:
ص:  >  >>