الناس ومصطلحهم في عاداتهم وتقاليدهم وسائر أسبابهم؛ بل لقد كان له نظره الخاص في الأشياء، وكان له حكمه الخاص عليها، وهو إنما يأخذ نفسه بما يصح عنده من هذه الأحكام، لا يبالي أحداً، ولا يتأثر، كما قلت، بأثر خارجي، ولو كان مما انعقد عليه إجماع الناس، وإذا كنت قد نعته (بالفيلسوف) فإنما أعنى هذه الصفة فيه. فإنني لم أكد أرى رجلاً لاءم كل الملاءمة بين رأيه في أسباب الحياة، وشدة تحريه أخذ النفس بأحكام هذا الرأي، كما بان لي من خلة هذا الرجل بحكم ملابستي له السنين الطوال.
ولقد كانت له آراء في كثير من الأشياء لقد تبدو غربيةً حتى يظن أن في طريقة تفكيره شيئاً من الشذوذ والانحراف. وما أُحيلُ هذا إلا على أنه لا يخف لمطاوعة الناس في كل ما يستوي من الإدراك للناس!
ثم لقد كان رجلاً يرجح عقله ذكاءه. وإنه ليحتاج في تفهُّم دقائق المعاني إلى شيء من المطاولة والتدبير. على أنها بعد هذا تتسق لذهنه مدركة ناضجة، لا كما تخطر لحداد الذكاء (خطرة البرق بدا ثم اضمحل)!
كذلك كان مما يلفت النظر في شأن المويلحي أنه شديد الإستيحاش من الناس، فلا تراه يستريح بالحديث إلى من لا يعرف منهم ولم يألف، ولقد يكون في مجلس يجمع الصفوة من خلانه، ومعهم رجل لا يعرفه، فإذا هو يفتر وينقبض حتى يكاد (وحش في المجلس). وعلى هذا لقد كان يكره، بالطبع، الدخول في زحمة الناس، والترائي للجماهير، وما إلى هذا من مقتضيات الظهور. ومن أجل صفات هذا الرجل حدة العزم، وقوة الصبر، وشدة الحمل على النفس. فما إن رأيته يوماً شاكياً ولا مظهراً للبرم بالحياة مهما كرثه تصرف الحياة. ولقد يكثر المال في يده فيبسطها، إلى ما يقرب من السرف في النفقة في حاجاته، وإصابة ما يحلو له من المتسع واللذائذ. ولقد يرق المال في يده، فيلزم داره الشهرين والثلاثة لا يبرحها أبداً، متجملاً في عامة شأنه بما عنده مهما يبلغ من القلة، لا يسأل أحداً عوناً ولا يطالع الصديق بحاجة.
كذلك كان من أجل صفاته الصدق في القول، ولقد عاشرته ما عاشرته، فما أذكر والذي نفسي بيده، أنني أحصيت عليه كذبة واحدة قط، ولا من ذلك النوع الذي يتورط فيه المرء في مصانعة الناس ومجاملتهم، فان ألحت التقاليد عليه في شيء من هذا سكت أو ورّى.