الحرة وأمام الوقوع بين براثن كافور ومعناه الموت وضياع الأماني
ويذكرني هذا المعنى بما أورده يوليوس قيصر في كتابه عن حروب روما في بلاد الغاليين، حينما اشتبك في قتال معهم إذ قال أنه ألقى بآماله بين يدي الأقدار كما يلقي المقامر بالزهر بين يديه، فذهب قوله في اللاتينية مذهب الأمثال. فهل أطلع أبو الطيب على هذا؟ أو نقل إليه حديث قيصر؟ أو هو مجرد توارد خواطر
ومن المدهش أن قيام إسرائيل بين مصر والبلاد العربية قد أثار طائفة من المشاكل: أولها - كيف الوصول إلى فلسطين وأراضي الشام والحجاز؟
ولقد رأينا طول الحروب الصليبية بعض هذه المشاكل، وبعد المتنبي بقرنين من الزمن وثلاث وثلاثين سنه رأى صلاح الدين نفسه في الوقت الذي وقفه المتنبي. . كيف يصل إلى أرض الشام والصليبيون يقطعون الطريق ويحولون دون وصوله؟ لقد كان أبو الطيب يخشى كافورا وعيونه وحراسه، وكان صلاح الدين يخشى الإفرنج ومعاقلهم وحصونهم
والغريب أن صلاح الدين اختار أربعمائة من أشجع فرسان الأسدية من التركمان والأكراد وخيم في شمال القاهرة في بركة الحاج حيث تقوم الآن بلدة المرج. . واتجه إلى بلبيس، كما كتب أبو الطيب إلى زعيم بلبيس فلفت الأنظار إلى حركته في الشمال، ثم في ليلة واحدة قطع المرحلة من بلبيس إلى عجرود ونزل جنوبا بعيدا عن طريق الحاج واخترق وادي الصدر الذي أشرت إليه وعرف كيف يسلك (إلى نخل) ولم يكن صلاح الدين فارا فرار المتنبي. . ولذلك تنبه للمواقع فأنشأ على الرابية التي تطل على وادي سدر (الصدر) قلعة لا تزال آثارها قائمة إلى اليوم، وربط الطرق والمسالك بسلسلة من المعاقل اتقاء هجمات الإفرنج وتسللهم إلى هذه المناطق الحساسة من البلاد العربية
ألا ترى أن رحلة أبى الطيب لم نكن من الأمور التي تسير على غير هدى، بل كانت موضع درس وعناية، فلا تندهش إذن حينما تقرأ في خزانة الأدب للبغدادي صفحة ١٤٥ جزء ثان عن المتنبي لما كان في ضيافة عضد الدولة (وكان أبو جعفر وزير بهاء الدولة مأمورا بالاختلاف إلى المتنبي وحفظ المنازل والمناهل من مصر إلى الكوفة وتعرفها منه فقال: كنت حاضره وكان ابنه يلتمس أجرة الغسال فأخذ المتنبي إليه النظر بتحديق فقال: ما للصعلوك والغسال؟ يحتاج الصعلوك إلى أن يعمل بيده ثلاثة أشياء: يطبخ قدرة وينعل