كمال لا يقدر ولا يفصل، ووحدة لا تجزأ ولا تحلل، يفيض على النفس نشوة لا تجد، ويجلو للقلب عن أسمى المعاني، ويكشف للبصيرة عن وجود الله ذاته. . . والعاشقان يفهمان من الحب:(الخلود تستوعبه دقيقة، واللانهاية تستقصيها إحساسه رقيقة)، ثم هما يؤمنان بخلود النفس البشرية ولا نهائيتها لأنهما يشعران عند اللقاء بذلك الخلود وبتلك اللانهائية. . .
الطهارة:
مثل هذا الحب المقدس لا يمكن أن يكون حبا شهوانياً، إنما هو عشق روحين واتصال قلبين، ورباط بين شخصين مثاليين. إن الفتى لا يحب في صاحبته الجسد الزائل والجمال الفاني، لكنه يحب مثالاً في نفسه يتعشقه، وصورة عليا يصبو إليها وجدانه. . . أنه يحب فيها (طيفا من طيوف الغيب)، ويبحث لديها عن ذلك الشعور بالراحة (الذي يجده من ظفر بحاجة طالما نشدها فما وجدها، ويدركه القلب العابد القانت. . . حتى إذا أدركه علق به علوق الحديد بالمغناطيس، وفنى فيه فناء النفس في الهواء). وهو سواء على القرب منها والمشهد، أو على البعد والمغيب، يراها في نفسه، وما عداها لا يشغله ولا يعنيه. . والحب في نفسه تطهير وتصفية: أنه شعلة اللهب تحرق وتلذع الحس، ولكنها تضيء كوامن الوجدان وتنير للقلب عالم السماء. . . وقد هفا حس الفتى الحيواني في ساعة من ساعات النشوة فوق مياه البحيرة إلى جمال صاحبته الجسدي، ولكنها سرعان ما ردته، بإخلاصها وطهارة نياتها وتفانيها في حبه، إلى صوابه الضائع؛ قالت:(ألا تعتقد أن حبنا يكون أمتع وأرفع وأبقى وأنقى مادام مصونا في خدر العفاف، نازلا في مناحي الخلود، حيث لا يتقلب الحدثان ولا يعدو الموت؟؛)
الحب والحياة:
كان الحب عند بطلي الرواية مثيراً لظاهرتين متناقضتين في نفسيهما: الأولى بعث الحياة في الجسد، والثانية إثارة الرغبة في الموت في أعماق القلوب
فالفتاة عندما أحبت انتعشت نفسها وخفت أمراضها وشعرت بالقوة والحيوية تسريان في شرايينها، وإن كان ذلك إلى حين. والفتى أحس أن العبقرية إنما يستمدها الإنسان من