هو مريض النفس، سئم الحياة ومل المجتمع وعاش وحيدا في دنياه. . . وهي مريضة الجسد تحب العزلة وتنطوي على نفسها في يأس ومرارة. . . (كلاهما طريد هم ووحيد غربة ونضو سقام وأليف وحشة). . . فأحبها لأنها تشبهه إلى حد بعيد. . . بل هو كان يحب فيها نفسه. . . وقد أصبحا فيما بعد، لفرط حبهما كأنهما شخص واحد:(وإنما أنا ظل بشخصك). . . لقد رآها فاحتواها في نفسه، ولم يعد في مقدوره أن ينتزعها من أعماقه، وهما إذ يلتقيان ليسا في حاجة إلى الكلام، لأن كليهما يفهم ما يدور بنفس الآخر، بل لأن روح كل منهما قد حل في روح الأخر:(فأتحول إليها، وتتحول إلي، حتى لا يستطيع الله نفسه. . . أن يفصل ما مزج الحب وأحالته معجزة الهوى)
العطف والاعتراف بالجميل:
لقد بدأ حب الفتى لصاحبته بنوع من الرثاء لحالها والتألم لمرضها. وقد لفته أول ما لفته إليها هزالها البادي وشحوبها، فأدركته لها رقة ورحمة وهي بدأت تحبه عندما شعرت بعطفه عليها، إذ كانت (محرومة نسب القلب وصلة الروح في ربيع شبابها) ثم أفاقت فجأة لتجد إلى جانبها عناية وإخلاصاً وحناناً، فلم تتمالك أن حركت لسانها بهذه الجملة المؤثرة. (لك الحمد يا رب لقد رزقتني أخاً). وقد زاد من حبه لها أنها أيقظت فيه الشعور بالحياة، وجلت لعينيه مسارح الخلود. . . نظرة واحدة منها كفلت له تجديد كيانه، وتغيير وجدانه، وبعثه من رقود، وإمتاعه بأيام سعادة لا مدى لها
العبادة واللانهائية:
المرأة التي يحبها في نظرة إله، أو على الأصح فالإله يتمثل فيها. لذلك فهو يقرن ذكرها بذكر اللًه، ويهم بالركوع أمامها إذا لقيها، ويصلي لها في حرارة وإيمان:(اتحد اللًه وهي في نفسي اتحاداً تاماً). . . (فكأن الهوى والعبادة يمتزجان فيها بمقدار واحد). . . لذلك فهو يقدس حبها ويؤمن بألوهيته، ويتعبد لتلك المرأة التي (جلت بحنانها عن أن تكون إلها، وسمت بقداستها عن أن تكون امرأة)
وما دامت الحبيبة شبه إله فالحب لا حد له: أنه حب أشبه (بسر بعيد الغور شاع في جوانب النفس بالإحساس لا بالكلام فهو نور من غير نار، وسكر من غير خمار، وهو