وأضخم، وأدق وأفخم، وأظهر وأعظم، كان بالوطنية أجدر، وبطعن الأجنبي الغاصب أحق وأولى، واستحق بذلك تقدير زملائه وجيرانه، وتهنئة أهله وأحبابه وخلانه، ونال الشرف الذي ليس من السهل أن يناله إنسان، أو يحصل عليه مخلوق كائناً ما كان.!
أما من أي شيء تصنع تماثيل هؤلاء (الخواجات) فهذا موضع العجب والدهشة، أو بمعنى أدق هو الوطنية الحقة، الكامنة في نفوس هذا الشعب المصري العجيب الذي لا تزيده الحوادث مهما اشتدت، والخطوب مهما ادلهمت، إلا شدة وقوة، وصرامة ووطنية. . إن هذه التماثيل تصنع من القماش الرخيص أو الملابس القديمة. وتحشى بأقذار ما في البيوت من ثياب رثة. وملابس مهلهلة، وجمعي ما يستغني عنه الكبير والصغير من أحذية وغيرها، لتحمل معنى الإهانة الصارخة، والسخرية اللاذعة، والاحتقار الشائن، والثورة الحانقة. .
ولا يكاد ينبلج الضوء صبيحة يوم شم النسيم من كل عام، حتى تحمل هذه التماثيل على عربات صغيرة من عربات اليد، وتدفع إلى الأمام في إهانة بالغة، واحتقار كبير. . وبعض الأهليين يفتنون في ذلك، فيحملونها على (نعش) ويسيرون بها في هيئة جناز، إلا أنه غير صامت، بل صاخب ثائر، حيث يردد الكبير والصغير هذه العبارات التقليدية اللاذعة:(يا أللنبي يا بن حلنبوحة. .؟. . أمك، ملآنه ملوحة) ويصاحب ذلك الترديد تصفيق منتظم حاد، يشيع في الجو لوناً رهيباً من ألوان الثأر المكبوت، والعاطفة المكفوفة التي يفرج عنها هذا الهرج والصخب والتشفي، ولا تزال هذه الزفة الصاخبة الحادة، تخرج من كل بيت، وتتلاقى هنا وهناك، طائفة بالشوارع الكبيرة والصغيرة، حتى تصل إلى كل رجا من أرجاء المدينة، فإذا انتهى الأهلون من هذه الزفة، ألقوا بما يحملون من تماثيل، في إهانة صارخة، وثورة جامحة، وأشعلوا فيها النيران التي تندلع ألسنتها في وحشية وجبروت طاغ، يذهب بتماثيل الشر الماحق، ويمحو آثار الطغيان والضلال المبين إلى أعماق الجحيم. .!!
ومرجع هذه الزفة كما أعتقد إلى فكرة وطنية متمكنه، وعقيدة عدائية خالصة، نحو الإنجليز العدو الأول لمصر والمصريين. . ذلك أن اللورد أللمبي كان مندوباً سامياً في مصر أيام الحرب العالمية الأولى، وكان هذا الداهية سوط عذاب على المصريين جميعا، وبخاصة على العمال المصريين، وكان عنوان الصلف الإنجليزي، والطغيان المروع، وتجلي ذلك