العداء الصارخ في وضوح وجلاء، حينما ساق العمال المصريين سوق الأنعام إلى بلاد الشام، حيث عاملهم كما تعامل السائمة، لقتال الترك والألمان.
والمصريون في ذلك الحين يحنون حنيناً كبيراً عجيباً إلى الأتراك، ومرجع ذلك الحنين البالغ إلى الصلة الدينية التي تجمع بينهما. . صلة الإسلام التي جمعت بينهما وأدت إلى المصاهرة، حتى لا يكاد يخلو حي من أحياء القاهرة، ولا مدينة من مدن القطر من أسر تركية، أو أسر مصرية تنحدر من أصل تركي، حيث كانت مصاهرة الأتراك في ذلك الوقت من دلائل العظمة، وعنوان التقدم والرقي، وعراقة الأصل، وطيب المحتد. وقد كان الترك كذلك إلى عهد قريب زعماء المسلمين، وقبلة الأنظار في يوم ما، فيهم الخلافة ظل الله في الأرض، وإليهم تتجه القلوب في أرجاء العالم الإسلامي بأسره، ونواحي الوجود بعامة. .
ثم هم - أعني المصريين - يحترمون الألمان، ويحبونهم بالغ الحب، ويرون فيهم مظهراً من مظاهر الرجولة الكاملة، والاستقامة الرائعة، والجد الصارم، والعزم الحازم، كما يرون فيهم صورة حية من صور العبقرية الملهمة، وأنهم أئمة العلم والاختراع في القرن العشرين بلا مراء، ويعتقدون أنهم في حربهم مع الإنجليز وحلفائهم، إنما يحاولون القضاء على الخطر الاستعماري الأكبر، رمز الظلم والعدوان، والغدر والغش، والبرود السكسوني اللعين، وكيف كانوا يستولون على بضاعة الألمان، ثم يضعون عليها علامات تجارية إنجليزية، ويبيعونها على أنها إنتاج إنجليزي بأغلى الأثمان وأفدح الأسعار، ولا يبالون بما يفتضح من أمرهم في السوق المصري بخاصة. .!
ولهذا كان من العسير على نفوس العمال من المصريين أن يساقوا سوق السائمة لحرب من يحبون، وقتال من إليهم يميلون، وإذا كانت الدعاية المارقة قد استغلت مظاهر الحزن والنقمة، حين يجند أبناء المصريين، وجعلت من هذا الحزن والصوت المتعالي دليلاً على عدم الوطنية المصرية، والفرار من ميادين القتال، وأن أمة هذا شأنها لا تستحق الحياة بين غيرها من الأمم عزيزة مرهوبة الجانب، بل تستحق حماية غيرها من الدول القادرة الناهضة، حتى تنهض على ساقين، وتفهم حقيقة الأمور كما يجب أن تفهم. . أقول إذا كانت الدعاية الإنجليزية المغرضة قد استغلت ذلك، فإنما هو استغلال سيئ لأغراض