للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

علاجه لم يكلفني إلا القليل لأننيكنت مؤمنة عليه في هيئة الصليب الأزرق) وابتسمت ضاحكة!

ثم استأذنت وخرجت، وبقيت مع ربة البيت. وأنا احسب أن صديقتها كانت تحدثها عن كلبها - وإن كنت قد دهشت لأنها لا تبدي أي تأثر لموته! - ولكن ما راعني إلا أن تقول لي - ولم أسأل! - (كانت تحدثني عن زوجها. لقد مات منذ ثلاثة أيام!)

ولما أبديت لها دهشتي أن تتحدث منذ ثلاثة أيام بمثل هذه البساطة، كان عذرها الذي لا يخالجها الشك في أنه مقنع ووجيه: (إنه كان مريضا! لقد مرض اكثر من ثلاثة اشهر قبل الوفاة!)

عادت بي الذاكرة إلى مشهد عميق الأثر في شعوري، وقد أثار في خاطري في حينه منذ سنوات. . . خاطرة لم تكتب بعنوان: (مأتم الطيور) ذلك مشهد جماعة من الفراخ كنا نربيها في دارنا، وقد وقفت متحلقة صامتة مبهورة مأخوذة، حول فرخ منها ذبيح، لقد كانت مفاجأة شعورية لكل من في البيت، مفاجأة غير منتظرة من طير غير كتقدم في سلم الرقي كالدجاج، بل كانت صدمة لم نجرؤ بعدها منذ ذلك الحين على ذبح فرخ واحد على مرأى من جماعة الطيور!

ومنظر الغربان حين يموت لها مائت، منظر مألوف شاهده الكثيرون. وهو منظر يصعب تفسيره بغير شعور (الحزن) أو (عاطفة) القرابة! فهذه الجموع من الغربان، المحلقة الصافة، الناعقة بشتى الأصوات والأنغام، الطائرة هنا وهناك، حتى تحتمل جثمان الميت وتطير. . . هذا كله يشي برجفة الموت في عالم الطيور. .!

وقداسة الموت تكاد تكون شعور فطريا. فليسست البدائية الشعورية هي التي تطمسها في النفس الأمريكية؛ ولكنه جفاف الحياة من التعاطف الوجداني، وقيامها على معادلات حسابية مادية، وعلى علاقات الجسد ودوافعه، واستخفافها عمدا بكل ما يشتهر أنه من مقدسات الناس في العالم القديم، والرغبة الملحة في مخالفة ما تواضع عليه الناس هناك، وإلا فما مزية الدنيا الجديدة على ذلك العالم القديم؟

وما يقال عن الشعور بالموت يقال عن الشعور بالدين

ليس اكثر من الأمريكان تشييداً للكنائس، حتى لقد أحصيت في بلدة واحدة لا يزيد سكانها

<<  <  ج:
ص:  >  >>