الجنسية من كل قيد على طريقة الغابة، وأصبح بعضهم يفلسفها فيقول كما قالت لي إحدى فتيات الجامعة مرة:(إن المسألة الجنسية ٍليست مسألة أخلاقية بحال. أنها مجرد مسألة بيولوجية: وحين ننظر إليها من هذه الزاوية نتبين أن استخدام كلمات الفضيلة والرذيلة. والخير والشر، إقحام لها في غير مواضعها، وهو يبدو لنا نحن الأمريكان غريباً، بل مضحكاً. . .) وبعضهم يبررها ويعتذر عنها كما قال لي طالب يشتغل للكدتوراه: (إننا هنا مشغولون بالعمل، ولا نريد أن يعوقنا عنه معوق، وليس لدينا وقت ننفقه في العواطف! ثم إن الكبت يتعب أعصابنا، فنحن نريد أن ننتهي من هذه (الشغلة!) لنفرغ إلى العمل بأعصاب مستريحة)
ولم أرد أن أعلق على هذا الحديث في وقته. فقد كان همي أن أعرف كيف يفكرون في هذه المسألة. وإلا فكل شيء في أمريكا لا يدل على أعصاب مستريحة، بالرغم من كل وسائل الحياة المريحة، وكل ضماناتها المطمئنة، وكل يسر وسهولة في إنفاق الطاقات الفائضة
وبعضهم يسمي هذا تحرراً من الرياء ومواجهة للحقائق. ولكن هناك فارقاً أساسياً بين التحرر من المقومات الإنسانية التي تفرق بين الإنسان والحيوان. والإنسانية في تأريخها الطويل لم تكن تجهل أن الميول الجنسية ميول طبيعية وحقيقية، ولكنها - عن وعي أو غير وعي - كانت تجاهد لتتحكم فيها، فرارا من العبودية لها، وبعداً عن مدارجها الأولى. إنها ضرورة نعم؛ ولكن لماذا تخجل الإنسانية من إبداء ضروراتها؟ لأنها تحس بالفطرة أن التحكم في هذه الضرورات هو شهادة الخلاص من الرق، وأولى مدارج الإنسانية في الطريق، وأن العودة إلى حرية الغابة عبودية مقنعة، ونكسة إلى مدارج البدائية الأولى