كفاح الآباء. . ولنعرف كيف وقفت مصر وشعبها الأعزل في وجه بريطانيا غداة خروجها ظافرة من الحرب العالمية الأولى. . وكيف اضطرت بريطانيا رغم جيشها وأسطوله إلى التسليم بمطالب مصر
طلب سعد ورفيقاه كما رأينا أن يسمح لهم بالسفر إلى أوربا لعرض قضية مصر على مؤتمر الصلح ولكن رفض طلبه؛ ورأينا كذلك كيف ألف سعد الوفد المصري؛ وفي الوقت نفسه طالب حسين رشدي باشا وزميله عدلي أن يسمح لهم بالسفر لمباحثة الحكومة البريطانية في المسألة المصرية، وقد رفض طلبهما أولاً ثم سمح لهما بالسفر؛ ولكنهما طلبا أن يصرح لرجال الوفد بالسفر أيضاً فرفض الطلب مما أدى إلى استقالتهما. وقد وقف المصريون صفاً واحداً فلم يقبل أحد منهم الوزارة، وظلت مصر بلا وزارة في الفترة من ديسمبر ٩١٨ إلى مارس ١٩١٩
لم ييأس سعد وظل يواصل جهاده، ففي ١١ يناير ١٩١٩ أرسل إلى كليمنصور رئيس مؤتمر السلام المنعقد بباريس برقية جاء فبها (بأسم الحركة التي أنت نصيرها، وبأسم العدل المجرد عن الهوى، وبأسم الإنسانية التي تأبى أن تكره الأمم على أن تنتقل من يد كما تنتقل ملكية السلع، نناديك من وراء البحر أن لا تتخذ سكوتنا الإكراهي الذي هو نتيجة الطبيعة لحبسنا في حدود بلادنا دليلاً على رضانا بسيادة الغير، وألا تسمح بالحكم في مصيرنا من غير أن تسمع أقوالنا.)
وفي ١٣ يناير ١٩١٩ عقد اجتماع وطني رائع في منزل حمد الباسل باشا خطب سعد باشا فيه فقال:
. . ليست فكرة الاستقلال جديدة في مصر بل هي قديمة يتأجج في قلوب المصريين الشوق إلى تحقيقيها كلما بدت بارقة أمل. . وتخبو ناره كلما استطاعت القوة أن تخمد أنفاس الحق، ولقد كان الوقت الحاضر أنسب فرصة لتحقيق هذه الفكرة. . . إن الاحتلال الفعلي لا يجد فرصة أنسب من هذه الفرصة ليحقق رجاء اللورد سالسبوري الذي قال في ٣ نوفمبر ١٨٨٦ (نحن لا نبحث إلا عن الخروج من مصر بشرف)
قلب هذا الاحتلال الذي لم يكن له حق في البقاء إلى حماية من بادئ رأي الإنجليز ومن غير اتفاق مع مصر. . ولكنها هي أيضا أمر باطل بطلانا أصليا أمام القانون الدولي