كبيرة قبل الشعوب الأخرى بألوف السنين - حاشا ما تم في وادي الفرات - ومع ما كان من عظمة هذا الشعب بعلمه وآثاره التي تنطوي على حسابات بادية حتى في أقدم التماثيل، كان هذا الشعب العملي، المقدام. عاجزاً عن إيجاده لنفسه عالما علويا، فلم يكن العالم المنوع الذي تصوره عما بعد الموت غير صورة عن حياتهم في هذه الدنيا، فقد جعلهم خوفهم من العنصر، من النيل، أتقياء، اجتماعيين، محافظين)
وظاهرة الكتاب الأولي هذا العطف الذي يثيره في نفسك على الفلاح المصري، وذاك الرثاء البليغ لحاله والوصف الأليم لمعاشه وطرز حياته منذ أقدم العصور حتى اليوم، وتكاد صفحات الكتاب تدعو إلى تحريره وإلي النهوض به
وأما الجهد الذي بذله الأستاذ الجليل عادل زعيتر في التعريب فجبار. وأنت إذا لمست قدرته على إيجاد الأسماء العربية للمئات من النباتات والحيوانات، وأنت إذا أمعنت في تعريبه للمصطلحات العلمية وفي إشتقاقاته أنعمت أن جهده الفردي هو جهد مجمع علمي كامل الأدوات؛ وأيقنت أنه في وفرة نه في وفرة إنتاجه السنوي وفي صحة لغته وقوة بيانه مؤسسة قائمة بذاتها. وما تقول في من أتحف العربية بعشرين مجلداً ضخما من نفائس القرائح العالمية في بيان ناصع وأسلوب متين؟
وقارئ كتاب النيل وعيره من معربات عادل زعيتر يدرك أنه الرجل الذي أعلى راية اللغة العربية وذلل أمامها كل صعب وأخضع لشوكتها أرقى اللغات؛ وبرهن على أن اللغة التي وسعت آي الله بها كتاب العظيم لن تضيق عن كتاب في هذه الدنيا ما توفر على التعريب عالم نابغ، دءوب، ضليع كعادل زعيتر
هذا وقد تطغي على الأستاذ زعيتر أحيانا الناحية اللغوية فتظن أن الكتاب كتاب لغة، فتراه يطعم اللغة مقدارا من الكلمات الغير المألوفة، وتراه كثيرا ما يشكل الكلمات وكثيرا ما يؤثر غير الشائع على الشائع، وقد يكون هذا مأخذاً عليه في رأي البعض ولا سيما في كتب تكون في أصلها غامضة الفكر والتعبير ككتب لودويغ. وقد يكون في جنوحه إلى ذلك مقدارا في رأي البعض الآخر من رواد الفوائد اللغوية
ولعل من مبتكرات المعرب الموفقة اجتنابه تكرار النسبة في الكلمات المعربة خلافا لما اعتمده كتابنا فهو يقول: دبلمي وكلاسي وميكاني وبلجى. . بدلا من دبلماسي وكلاسيكي