عاريات، وأشجار وغابات! في أمريكا المتحضرة. في الدنيا الجديدة. في العالم العجيب!
أما الطعوم فشأنها هو الآخر عجيب.
إنك تلفت النظر، وتثير الدهشة، حين تطلب قطعة أخرى من السكر لكوب الشاي أو القهوة تشربه في أمريكا. ذلك أن السكر محتفظ به للمخلل (والسلاطة)! كما أن الملح يا سيدي محتفظ به للتفاح والبطيخ!
وفي صفحة طعامك تجتمع قطعة اللحم المملحة، إلى كمية من الذرة المسلوقة، وكمية من البازلاء المسكرة وبعض المربى الحلوة. . وفوق ذلك كله المؤلف أحيانا من السمن والخل والدقيق ومرقة العجل والتفاح، والملح والفلفل والسكر. . والماء!
كنا على المائدة في مطعم ملحق بالجامعة حينما رأيت بعض الأمريكان يضعون الملح على البطيخ، وكنت قد اعتدت رؤية هذه (التقاليع) واعتدت كذلك أن أتفكه عليهم في بعض الأحيان. وقلت متجاهلا: أراكم ترشون الملح على البطيخ؟ قال أحدهم: أجل! ألا تصنعون ذلك في مصر؟ قلت: كلا! إنما نحن نرش الفلفل! قالت واحدة في دهشة واستفسار: أو يكون مستساغا؟ قلت: يمكنك أن تجربي! وجربت، وذاقت. وقالت في استحسان: كم هو لذيذ! وكذلك فعل الآخرون.
وفي يوم آخر جاء فيه البطيخ، ومعظم من يأكلون على المائدة هم، قلت: وبعضنا في مصر يستخدم السكر أحيانا لا الفلفل. وبدا أحدهم ففعل وقال: كم هو لذيذ! وكذلك الآخرون!
وباختصار فكل ما يحتاج إلى قسط من الذوق فالأمريكاني ليس فيه حتى الحلاقة! وما من مرة حلقت شعري هناك إلا وعدت إلى البيت لأسوى بيدي ما شعث الحلاق، وأصلح ما أفسده بذوقه الغليظ!
إن لأمريكا دورها الرئيسي في هذا العالم، في مجال العلم التطبيقي، وفي مجال البحوث العلمية، وفي مجال التنظيم والتحسين، والإنتاج والإدارة. . كل ما يحتاج إلى روح وشعور فهنا تبدو البدائية الساذجة.
وإن البشرية لتملك أن تنتفع بالعبقرية الأمريكية في مجالها فتضيف قوة ضخمة إلى قواها. ولكن هذه البشرية تخطئ أشنع الخطأ، وتعرض رصيدها من القيم الإنسانية للضياع، إذا هي جعلت المثل الأمريكية مثلها في الشعور والسلوك. .