عليه.
قال: أتظن (الكذب) قدراً مشتركا بين الأفراد؟
قلت: لا أقول مقولي على الإطلاق، وإنما أسوقه في مساق التحليل الإنساني كوحدة مرتبطة الأجزاء في كل نفس بشرية؛ فأنت قد تأخذك شهوة الكذب إلى التوريط في أمر لا تحبه؛ وقد يخلصك من مأزق تأزمت به نفسك!
قال: لكني أسألك عن الكذوب الذي يهوي الكذب لذاته.
قلت: أن التهافت على الرغبات منذ تحبو الغرائز في مصدر الإنسان لا تجد من يحد من حدتها، فتقود صاحبها إلى تحقيق هذه الرغبات في الواقع أو التوهم لإشباع التهافت، وتحقيق الكيان الوجودي!
وقلت: لا تحسب الكاذب يصطنع الحقائق، وإنما تصورها (أحلام يقظته) فيريد تحقيقها بحسب ما ترى هذه الأحلام، وهو يجد لذة عجيبة تعزيه عن الحرمان، وتدنيه من المتعات البعيدة. .!
قال: كأنك تحبذ الكذب، وتوجه الكذابين. . .
قلت: رويدك!. . . أما تعرف من نطلق عليهم أسم (الفشارين).؟
إني أتجه بتحليلي إلى هذا الصنف من الناس؛ فهم ظراف، لطاف، بحابيح يرفهون عنا بأكاذيبهم أعباء الحياة، ويحلقون بأجنحة أخيلتهم حتى يرتفعوا عن دنيا الحقائق المرة إلى الرؤى الحالمة، والمرئيات الوهمية، فهم يشبعون على مسغبة، ويبلون الريق على ظمأ، ويمتعون مع حرمان!
قال: لكنهم يضايقوننا في اصطناع ما ليس حقيقة.
قلت: أسائلك بحقك. ألم تأخذك (البحبحة) في بعض أمرك، فتترك نفسك على السجية، فتدعى أنك أكلت (الديك الرومي) وأمعاؤك تكذبك.
وتقول: لقد أغرقتنا في شراب العدس؟!
قال: ليس التفكه مقام بحثنا، فصور لي مدى سخرية الكاذب من سامعيه.
قلت: إن الكذب على الأسلوب الذي صورته لك هو القدر المشترك بين سائر الناس، والكذاب (العبقري) هو الذي يمكنه قيادة العقول إلى تصديق ما يقول، ولست محبذا خلقية