وإني أعتب على الأستاذ الفاضل، وأحيى فيه روح المجدين للوصول إلى الصواب، وأقول: إني لم أبذل عونا إلا للحق الذي قصدت أن أنفض عنه ما علق به من غبار، ولهذا أسأل الأستاذ بربري: لماذا حورت الموضوع من المناقشة في نقطة معينة إلى الكلام حول الدكتور طه حسين وما وهمته من أخطاء له. .؟ وأتى مع ذلك أجيبك إلى هذا الذي نقلتنا إليه.
(قد لا يكون) لم لا يكون؟ نعم قال بعضهم إن (قد) إنما تدخل على الفعل المثبت، ولكن أي (قد)؟ إنها تكون للتحقيق ولتقريب الفعل الماضي من الزمن الحالي، وهذا فيما أرى مرجع التعليل لجعل (قد) للإيجاب، فإن النفي لا يتفق مع التحقيق والتقريب، أما (قد) التي تدخل على المضارع للتقليل أو التوقع - كما في (قد لا يكون كذا) فلا تتعارض مع النفي، وهي في هذا تجري مجرى (ربما) وربما تدخل على المنفي والمثبت، فلا فرفق بينهما؛ وعلى ذلك أسأل: ما المانع من دخول قد التقليلية والتوقيعية على المنفي؟ وما هو تعليل هذا المنع إن قيل به؟
(سوف لا يكون) أسأل هنا أيضا: ما المانع من هذا التركيب؟ وإذا كنا نسوف في وقوع الفعل فلماذا لا نسوف في عدم وقوعه؟ وهل للكاتب الفاضل أن يأتي بنص صريح بمنع دخول سوف على المنفي؟
(نفس فلان) ليست (نفس) هنا للتوكيد المصطلح عليه عند النحويين، وإنما هي بمعنى (ذات) وإذا كنا نقول ذات فلان فلم لا نقول نفس فلان؟
(ما كدت أفعل كذا حتى حدث كذا) في هذه المسألة رأيان، فكاد معناها قارب ولم يفعل تفيد النفي، والمتقدمون يرون أنها تفيد الإثبات إذا دخل عليها النفي، طبقا للقاعدة المعروفة (نفي النفي إثبات) وعلى هذا يكون التعبير (ما كدت أفعل كذا حتى حدث كذا) سليما، وقد خطأ بعض العلماء - بناء على هذا الرأي - ذات الرمة الشاعر، فسلم لهم ذو الرمة بذلك. ولكن بعض المتأخرين ذهب إلى خلاف ذلك الرأي بأن نفي كاد نفى لمقاربة الفعل، وهذا هو الذي استند إليه الأستاذ بريري في تخطئة التركيب (ما كدت أفعل كذا حتى حدث كذا) ومن العجيب أن ينكر كاتب في هذا العصر رأيا للمتقدمين ليخطئ تركيبا على رأى للمتأخرين يخالفه.!