هذا يثير عليها التب آونة ... فتنفث التبر زهرا أو ريحانا
وهذا من حسن طالع سلطاننا، وفأل حسن لعهده. ومن العجيب أن النيل أبطأ مرة عند الوفاء فعجل السلطان إلى مقياس الروضة، وصلى لله هنا ودعا، وأمر القضاة الأربعة أن يبيتوا الليلة بالروضة ويقرءوا القرآن، فتأذن الله للنيل فوفى.
الشاعر: لقد كان في هذا الرخاء إغراء للسلطان، فأمعن في نعيمه وملاذه، وبالغ في إظهار عظمته ومجده. وشغل الناس بمواكبه وأسفاره. لست أنسى ما حييت من لياليه وأيامه، ليالي المقياس وأيام الأهرام. . كم من يوم فيه أرض الروضة وزار المقياس وأقام ردحا في قصره هناك. لكن كل ذلك لا يقاس بيومه في جمادى الآخرة من العام المنصرم، يوم انحدر إلى المقياس وطلع إلى قصره، ودعا إليه أمراء السلطنة على بكرة أبيهم، مع جم غفير من الجند، واستقدم قضاة الشرع الأربعة، وعددا من أعيان الدولة، وموظفيها، واجتمع بأمر منه، عشرات من القراء والوعاظ. فقرءوا لهم. - أما القصر فقد بدا شعلة من ضوء، انتشرت قناديل الزيت وضيئة مضيئة، وحمائل الشموع ألاقة براقة، بين حجرات وردهاته وشرفاته، ومن حوله. وأوقد مسجد المقياس ومنارته وأرسى (الغيليون) وعلى صواريه علقت أمشاط القناديل. - هذا في الروضة، أما الشاطئان تجاهها، وما قاربهما من دور، فقد فاضت فيهما الأنوار، حتى اتصل الضوء بالضوء، واختلط الشعاع بالشعاع. وعلى الشاطئ تجاه الجيزة ضربت قبب للأمراء، وخيام للجند، وبسط القاضي محمود بن أجا كاتب السر مأدبة حافلة للسلطان وأضيافه، أنفق في إعدادها سبعمائة دينار. وهناك في أرجاء الروضة وعلى مقربة من القصر، وبعد أن أدى السلطان صلاة العشاء جلس فوق سطح القصر، وانطلقت أسهم النفط في الفضاء، وبدأت ألعابها النارية الرائعة تملأ الجواء، - وكان النفط قد جئ به من القاهرة مزفوفا. . - كانت الليلة ليلة البدر، وشعاعه الفضي مشفق على قناديلنا وشموعنا لهذا التحدي. وكل ذلك تنعكس صورته في مرآة الماء فتتضاءف بهجته ورعته في العيون. ولا تسل عن الألوف الحاشدة من الجماهير على الضفتين. . . كانوا سطورا سطوراً على صفحيتهما، ونقطا نقطا بين أقواس الزوارق في رقعة اليم. .
أما أيام الأهرام فقد استطعت خلالها أن اندمج في عداد حاشية الأمير الكبير (طومان باي) الدوادار، وأن أصحبه أثناءها في رحتله مع السلطان، فشهدت عن كثب نزوله ورحيله.