للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والنقطة التي تنتظرها تسميها المستقبل. ويا لحمق هذه الكائنات التي تتناسى أن النقطة التي تسميها الماضي هي نفسها التي كانت تسميها المستقبل قبل أن تصل إليها، فليس الأمر سوى خداع أسماء، وكم لخداع الأسماء من ضحايا!

بين الماضي والمستقبل:

لتنظر معي رعاك الله إلى هذا الوجود، وتأمل فيه: متى وجد.؟. . . وأين كان قبل أن يوجد؟. . . خذ أي شيء وتأمله، وقف بالله عليك قبل أن تلتهم هذا العنقود من العنب، وفكر (من أين جيء به؟). . (من كرمته). . (حسنا، ومتى جيء به؟). . (حسنا، وأين كان قبل هذا الموسم؟) أين. . أين. . في العدم؟). . .

ولكن يا صاحبي كيف يأتي شيء من لا شيء؟ إنه كان لاشك في ضمير العنب، أي قبل هذا الموسم بشهور مثلا: كان في المستقبل. ولكن. . هل كان وجوده مشخصا حقيقيا في هذا الغيب؟

مثل هذه المشكلة حلها (أرسطو) بمفتاحه السحري: مفتاح (القوة والفعل) أو (الإمكان والواقع) فالشيء قبل أن يكون، لم يكن معدوما بل كان موجودا بالقوة، أي كان وجوده ممكنا وليس واقعا متحققا ظاهرا مشخصا، فأي شيء هو بالقوة قبل أن يوجد ويخرج من القوة إلى الفعل بتأثير مؤثر، فمثلا: البذرة الآن بذرة بالفعل وشجرة بالقوة، لأنها سوف تكون شجرة. والطفل الآن طفل بالفعل وفي الواقع ولكنه سيكون رجلا في المستقبل، فهو رجل بالقوة.

وقد قلنا إن الوجود هو المستقبل قد نسج وهو الماضى، ومستقبل ينسج وهو الحاضر، ومستقبل سينسج وهو الذي عرف وحده بالمستقبل، فكأن المستقبل هو الوجود بالقوة والماضي هو الوجود بالفعل. فالفرق بين الماضي والمستقبل: هو الفرق بين الإمكان والواقع. وليس الفرق بين الإمكان والواقع واسع الشقة مهول المسافة، بل لا يبدو ذلك إلا لذوى النظر الضيق، أما أصحاب النظر السليم فإنهم لا يرون كبير فرق بين الإمكان والفعل، لأن لهم من قوة بصرهم ما يربهم المستقبل حاضرا، والإمكان وقعا.

إن الزمان عبارة عن الحركة، أو أن الحركة هي جوهر الزمان، فمثلا: تصور أن الأرض ثابتة، وأن الشمس طالعة أبدا، وأنك وحدك على الأرض ثابت لا تريم. . هل تشعر

<<  <  ج:
ص:  >  >>