للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بشيء؟ لا يمكن أن تشعر بشيء مطلقا، إذا لم يكن هناك حركة ولو أقلها تقرن نفسك بها، وتشعر بوجودك بالنسبة إليها، فأنت إذا كنت ترى صخرة أو شجرة مثلا، ولم يكن في طوقك الحركة حتى تبلغها، ولا في طوقها الحركة حتى تبلغك؛ فلن تشعر بوجودها، وقد لا تشعر بوجودك أيضا. أما الذي يجعلك تشعر بوجودك ووجودها فهو الحركة، فالشجرة مثلا بعيدة الآن، وهاأنذا تقترب منها، فأنت تشعر بوجودك ووجود الكون بناء على التغير أو النقلة، فشيء غير موجود الآن يجعله التغير والانتقال موجودا. فالشيء الذي يشعر الإنسان بذاته ووجوده هو المستقبل؛ لأن النقلة والتغير تصير إليه، ولو لم يكن هناك مستقبل لما كان هناك وجود ولا زمان ولا شعور للإنسان بذاته وبالكون. والنزوع إلى تحقيق ما هو غير محقق الآن، هو أدل شيء على شعور الإنسان بالوجود وبذاته، فالإرادة والشوق والأمل، هي علائم الوجود وشواهده التي لا تكذب، فيها يشعر الإنسان بأنه موجود حقا ولا يخالجه أدنى ريبة في وجود ذاته. وحينما تتعلق القدرة بالإرادة، ويستطيع الإنسان تحقيق رغبته في العالم الخارجي، فحينئذ يتأكد له وجود ذاته ووجود العالم الخارجي.

والمستقبل هو الذي يمنح الحياة ويبعد عنه الثبات الذي هو الموت، وكسبه التجدد والتغير، فليس شيء في الوجود ثابتا مطلقا. فلو فرضنا أن هناك موجودا جمادا أو حيا، وليكن هذا الشيء (١) فإن (م) الآن غير (١) بعد دقيقة مثلا؛ لأنها ستكون (١) زائدا دقيقة) ولا شك أن (١) فقط لا تساوى (١ زائد دقيقة). وهكذا، فإن كل شيء في الوجود في تغير أو حركة نتيجة لإضافة المستقبل إليه. فالمستقبل هو الذي يجعل الوجود حيا. ولو لاه لما كان وجود ولا حياة. وهنا نرى أننا قد وصلنا إلى شيء جديد هو أن كل ما في الوجود لا يمكن فهمه إلا باندماج الزمان فيه واندماجه في الزمان - وحينما نقول الزمان فإنما نعنى الصورة ذات الأوجه الثلاثة التي يبدو فيها المستقبل (من مستقبل (ماض) ومستقبل (حاضر) ومستقبل (مستقبل) - فكأن هناك حدا لا تفهم الموجودات إلا بنسبتها إليه وقياسها عليه وهو الزمان أو المستقبل حقيقة. وهذا وصول إلى الحد الرابع الذي تقول به النسبية ولكن من طريق آخر غير طريق النسبية، بل من طريق وجودي مستقبلي تحليلي، لا يعتمد إلا على تحليل الوجود ومحاولة فهم العناصر التي تكونه، وليس استخراجا لهذا الحد من قوانين الحركة الحديثة التي تقول باستحالة استخراج الحركة المطلقة للمتحرك، وبناء عليه باستحالة

<<  <  ج:
ص:  >  >>