ونكت وأقبل وأدبر.
وأكرر القول بأن الأستاذ الحوت لا يبغي من (هجومه) السياسي هذا إلا استثارة العواطف، وشحذ الهمم، وهو على حق فيما رمى إليه. لأنه يخشى أن تمتد يد السوء إلى الأقطار الشقيقة المجاورة وعندها تنتقل المسألة من نكبة صغرى إلى طامة كبرى.
لقد برهن شاعرنا في ملحمة هذه على أنه فنان قدير، يتقن اختيار الكلم، وحسن الوصف والتصور فيقول في نشيده الأول:
بئس الحياة التي هان الزمان بها ... فلم تعد غير خفق صامت بدم
أي أن الحياة هذه هي خفقان القلب لا أكثر. . وهذا لعمري أقصى ما يمكن أن يقال في التشاؤم
ويقول أيضا:
صلب العقيدة ما لانت عزائمه ... كأنه في صراع المشركين نبي
تشبيه جميل للشعب العربي الفلسطيني بأنه رسول حتى يحارب الوثنية الاستعمارية.
ثم يصف وصفا أليما خروج أهل يافا هائمين على أمواج البحر فيقول:
لئن نسينا فلن ننساه ذا شره ... جهم الضمير، عبوس الوجه مصطفقا
غضبان، يهدر فيه الغمر، مائجة ... جباله، زاحفات بالردى غرقا
والناس في عرضه حيرى زوارقهم ... كالريش في عصفات الريح منطلقا
مدوا على الأزرق العاتي بساطهم ... كي لا يروا حرم الأبطال مخترقا
وهو يرى في تشتيت عرب فلسطين (طريقة) سهلة للقضاء على الشعوب المستضعفة فيقول:
من شاء إفناء جيل فليكن حذرا ... من قتلهم بالسيوف البيض والنار
يكفي فناء بطيئا فرط عقدهم ... ونثرهم غرباء الحي والدار
وأجمل ما قيل في الكونت برنادوت وفي نهايته العجيبة:
شيخ وإن قيل قد طابت ظواهره ... فنحن لم ندر ما ضمت سرائره
رمت به في فم الجلي منظمة ... رعناء فاستلم القربان ناحره
ما مزق المجرمون الكونت بل نحروا ... ومزقوا أمما كانت تظاهره!. .