وكفر الشاعر بالزعامات، ويأتي الاجتماع بها حتى في جنات النعيم فيقول:
فهل تخلد أصناما ترقصها ... شمطاء ما روضت إلا تغابينا
لو أن جنة خلد تحتنا فرشت ... وأنتم جيزة - وردا ونسرينا
لعفتها بعد أن أمسيت مرتحلا ... في الكون قد ضل لا دنيا ولا دينا
ونقم الشاعر على الشعب الذي لا تحركه النكبات، فيقول له هذا البيت البديع:
حتى الوفاة لها يا قوم يقظتها ... قبل الرحيل إلى الفردوس أو سقر!. .
ومستهل نشيده التاسع عشر بهذه الصرخة المدوية:
فما نسينا دماء ها هنا وهنا ... غصت بها الأرض من حاب ومنطرح
إن لا نعبئ قوى التاريخ أعنفها ... والحاضر الجهم والمستقبل السمح
ونتحد أمة تفنى بها أمم ... وتنفض النوم عنها صيحة الجرح
فلا فلسطين تبقى يا رفاق لنا ... ولا الشقيقات (من أدر) إلى (رفح)
هذه صرخة كل فلسطيني شردته العدالة الديمقراطية في نهاية النصف الأول من القرن العشرين. . بل ولا تزال تمعن في تشتيته وتشريده غير عابثة بأبسط حق من حقوقه العامة ليعيش في بيته ووطنه، وغير مكترثة بحق الملكيات الفردية التي تدافع عنها بإيمان وحرارة.
وما أن يذكر الشاعر المسكين مسقط رأسه يافا، البلد الذي نشأ فيه وترعرع، والذي بنى فيه مستقبله ومستقبل أولاده، حتى استحال إلى مجموعة من الأسى والألم، فسلم أمره إلى الله بعد أن يئس من عبيده وعبدانه، وقال:
يافا، لقد جف دمعي فانتحبت دما ... متى أراك، وهل في العمر من أمد
أمسى، وأصبح والذكرى مجددة ... محمولة في طوايا النفس للأبد
كيف الشقيقات، يا شوقي لها مدنا ... كأنها قطع من جنة الخلد
ما حالها اليوم يا يافا وهل نعمت ... من بعد أن سلمت أمسا يدا بيد
وكيف من قد تبقى في مرابعها ... وقد تركناه فيها ترك ملتحد
ما بال قلبي إذا ما سرت من بلد ... يصيع من وجده في الصدر: وابدي
مهما استقام به من عيشة رفد ... وجدته هازئا يا لعيشة الرعد