للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أما المقارنة والموازنة التي أقامها الأستاذ بين هاتين النظريتين فعندي أنه لم يبق محل لها وقد ماتت نهائيا نظرية (الفن للفن) وأصبح هذا الفن الخالص - كما قلنا في كلمة سابقة - مرادفا للفن الفارغ! وأصبحت هذه الأبراج العاجية التي يقولون عنها بمثابة رفوف أو دواليب أو متاحف أو معارض للزينة والفرجة!

وليس من الأدب في شيء مالا يعالج قضايا الحياة التي يحياها الناس، لا في فترة من الفترات كما يقول الأستاذ بل في جميع الفترات على السواء، ولا في العظيم الجليل من أمور الحياة بل في الصغير الضئيل من أمورها، فليس الأدب وليس الفن حلية وزينة وزخرفا وبراقش تأخذ بالأبصار وتبهر العيون، ثم تخبو فلا أثرلها، وتذهب فلا صدى وراءها اللهم إلا نشوة ساعة!

هذه دولة قامت للأدب يوما ثم دالت ولا تحسبها تعود يوما، فالأدب الآن أشد الأشياء التصاقا بالحياة، والأدباء الآن مثلنا تماما يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، بل إن من أهم واجباتهم أن يمشوا في هذه الأسواق!

فلننظر ماذا كان عليه موقف المسرح المصري - والمسرح كما قلنا قبل هو جماع الأدب والفن - وهل استطاع حقا أن ينهض (بتغذية الوعي القومي ومساندة عقيدة النضال بتذكير الناس بما يجب أن يذكروه وبتبصيرهم بما يجب أن يكون مائلا في أذهانهم)؟؟

لقد اختارت فرقة المسرح المصري الحديث من أجل هذه الأغراض الوطنية روايتي (مسمار جحا) التي افتتحت بها الفرقة موسمها بدار الأوبرا الملكية واستمر تمثيلها بها طول موسمها بهذه الدار، ورواية (دنشواي الحمراء) التي تقوم هذه الفرقة بتمثيلها الآن على مسرح حديقة الأزبكية. فهل استطاعت هاتان الروايتان أن تحققا هذه الأغراض التي ينوه بذكرها مدير الفرقة؟ أشهد أن الحق - وهو فوق كل اعتبار - يقتضي أن أقول (لا). فلو أريد بقضية (مسمار جحا) هو (قناة السويس) في قضية وطننا كما يذهب إلى ذلك الأستاذ زكى طليمات فيما يكتب وفيما يقول. . لو أريد بها ذلك لكان إضعافا للقضية الوطنية وتهوينا من شأنها وتوهينا لقوتها وعدالتها ووضوح حجتها! فالدار كانت ملكا حلالا لصاحبها فباعها بالثمن المقبوض وبالعقد الشرعي واشترط بقاء المسمار ليجعل منه ذريعة لغشيان الدار في إلحاح وإثقال، فهل كانت مصر ملكا حلالا للإنجليز فباعونا إياها بالثمن

<<  <  ج:
ص:  >  >>