للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهمست في خفوت!

لقد أتيت من أجلك أيها الحبيب أمرا إذا؛ بيد أن أخبارك به أشد وأقسى. لأكشفنه لك في كلمات قصار: لقد حمل عنك أغلالك بوتيجا، وهو فتى شفه الحب وأضناه الهوى؛ وادعى الجريمة وأهدى إلى حياته. . . في سبيل حبك اقترفت ما اجترمت يا أعز حبيب!

كانت تتكلم والهلال الشاحب يضوي ويزول، والطيور تأوي إلى أوكارها فتسلم الغابة لسكون عميق.

وانسل ذراع الشاب في هدوء من حول خصر المرأة وتصلد الصمت من حولها واستحجر في الآذان. .

وجثت المرأة فجأة عند أقدامه، وتعلقت بركبتيه صائحة: غفرانك أيها الحبيب غفرانك! دع العقاب لله؛ هو يجزيني على ما قدمت يداي!

وانتزع فاجارسن ساقيه بعيدا، وصاح في صوت أبح:

تشترين حياتي بثمن الخطيئة! لعنة الله على كل نفس من أنفاس حياتي!

وهب واقفا؛ وقفز إلى الشط من القارب، وغاص في ظلام الغابة، وظل يسير ويسير حتى انقطع به الطريق، واستوقفته الأدغال المتكاثفة والأشجار الملتفة.

وجلس على الأرض متعبا. . ولكن من هذا الذي تبعه في صمت طوال الطريق المظلم، والذي يقف الآن كالشبح وراءه!

وصاح فاجارسن: (هلا تركتني!)

وهوت عليه المرأة في لحظة، وأغرقته بدلها، وغطته بشعرها المتهدل، وأثوابها الجرارة، وأنفاسها المترددة، وصاحت في صوت خنقه العبرات المحتبسة:

لا. لا. لقد اجترمت لأجلك فاقتلني إذا شئت؛ دعني أموت بيديك!

وارتعش ظلام الغابة الراسخ لحظه؛ وسرى الرعب في جذور الأشجار المتغلغلة في جوف الأرض وارتفعت تحت جناح الليل آهة مكتومة، وأنفاس مضطربة، وسقط على الأوراق الذاوية جسد.

توهجت شمس الصباح على مسلة المعبد البعيد، وبرز فاجارسن من الغاب، وظل النهار بطوله يهيم بجوار النهر صاليا بحرارة الشمس لا يفتر لحظة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>