وستين جريحا، وقضت السويس يومها من الحادية عشرة صباحا إلى التاسعة مساء وكأنها ميدان حرب لا تسمع فيه إلا طلقات المدافع والبنادق وأزيز الطائرات!
وفي يوم الثلاثاء ٤ ديسمبر أصبحت السويس المجاهدة وفي أرجائها صمت رهيب يتوج جلال حدادها على شهدائها الأبرار، بتشييع جنازات الشهداءَ في أربعة مواكب وطنية رائعة سارت فيها جميع طبقات الشعب ومختلف الهيئات وقد قدر عدد المشيعين بنحو ١٥ ألفا
ولكن الإنجليز ارتكبوا أشنع العدوان في هذا اليوم أيضا، فلم يكفهم ما أراقوا من دماء في اليوم السابع بل زادوا إثمهم إثما وعدوانهم وحشية وفظاعة: فقد خرج الأهلون يشيعون جنازة أحد الشهداء قبل نقلها إلى الزقازيق وكانت بعض الطائرات الاستكشافية البريطانية تحلق في السماء فأبلغت القيادة البريطانية الأمر على أنه زحف شعبي على المعسكرات فخرجت قوة من ثلاث دبابات وأربع مصفحات وبضع سيارات مسلحة أخرى وأخذ جنودها يطلقون النار على المشيعين والأهلين ورجال البوليس والدور القريبة. وسقط في هذه المجزرة ١٤ شهيدا وجرح ثلاثون. وقد ثبت أن الإنجليز يستخدمون رصاصا من طراز (الدمدم) الشديد الفتك
وفي يوم الأربعاء شيعت السويس شهداء المجزرة الثانية واشتركت جميع هيئات الشعب في الجنازة وكان يتقدمها محافظ المدينة.
وقد رفضت السلطات البريطانية الترخيص بنقل جثث الشهداء من غير أبناء السويس إلى بلادهم.
وبرغم هذا لم يكف المعتدون عن عدوانهم فأطلقوا في الجو أسرابا من الطائرات الاستكشافية والنفاثة ذات الأزيز المفزع وسيروا قافلة كبيرة من الدبابات والمدرعات واللوريات لمحاصرة المدينة.
وقد دفع جمود الحكومة المصرية إزاء هذه الحوادث المحزنة الطلاب إلى القيام بمظاهرات في القاهرة والإسكندرية والجيزة احتجاجا على هذا العدوان الغاشم. وقد قررت الوزارة تعطيل الدراسة بتلك المدارس. ونحن نحب أن يخلد الطلاب إلى الهدوء حتى تتمكن الحكومة من مواجهة الموقف ولكنا نقول لرجال الحكومة: تحركوا وإلا فسينفجر غضب