وهذا هو الوضع الصحيح البسيط لمشكلة السببية بين المثبتين الذين يقولون أن لا شيء يحدث بدون سبب؛ وبين المنكرين الذين يقولون أن ليس هناك شيء يمكن أن يعد سببا على سبيل التعيين
ونستطيع أن نخرج من كل ما تقدم بشيء واحد؛ وهو أن الذين أنكروا السببية أنكروها لشيء هو وقوفهم عند ما يشاهدون ويحسون فقط. وأما الذين أثبتوا القول بالسببية فهو وقوفهم عندما يحسون ويشاهدون أيضا. ولكن الفرق بين المنكرين والمثبتين: أن المنكرين قالوا (إن المشاهدة تدل على الحصول عنده، ولا تدل على الحصول به)، وأما المثبتون فقالوا (إن العادة اقتضت أن يتبع هذا ذاك، فلا بد أن يكون هذا هو علة ذاك، وإلا فما الداعي لحدوث هذا التعاقب؟) وقد آمن المثبتون بهذه العادة، وبنوا حياتهم وقوانينهم عليها، وقالوا إن لكل ظاهرة من الظواهر علة أحدثتها، ثم خصصوا فقالوا: إن هذه الظاهرة (ب) مثلا، علّنها الظاهرة (أ) ودليلهم على ذلك العادة التي أرتهم أن (أ) تتبعها (ب) دائما. وبينما يؤمن المثبتون بهذا، يقول المنكرون: أنه لا علة للجزم بأن (أ) لابد أن يتبعها (ب) بل قد يتبعها (ج) أو (د) من الظواهر؛ فما العلم سوى قوانين، وهذه القوانين لم تستخلص إلا بنتيجة للتجارب والشواهد التي فرضنا أن لها عللا معينة؛ وما دام ليس هناك من سند للقول بالعلية والسببية، فإذن من المحال أن يكون هناك علم، أو لو أردنا الدقة لقلنا إن صحة علمنا موقوفة على صحة ما نسميه عللا ومعلومات، وبذلك نتفادى القول باستحالة العلم إلى القول باحتمال صحته، ولا ضير بعد ذلك، فالعلم ما هو إلا تسجيل للواقع المشاهد
ولنترك الآن عرض السببية عرضا تاريخيا في الشرق عند كل من الغزالي وأبن رشد، وفي الغرب عند كل من (هيوم وكانت). ولنترك أيضاً المقارنة بين هؤلاء جميعا إلى فرصة أخرى ونخلص إلى السببية والمستقبل
السببية والمذهب المستقبلي:
إذا شاهدنا ظاهرتين متلازمتين في الماضي، مثل الإحراق ولقاء النار، أو طلوع الشمس ووجود النور، فهل يستمر هذا التلازم أيضاً في المستقبل أم لا؟ وإذا كان هذا التلازم والارتباط بين الظواهر ثابتا مستمرا، فإنه يمكننا بذلك أن نتنبأ بالأشياء التي لم تحدث بالفعل، وسوف تحدث في المستقبل. وحياتك لا شك مبنية على هذا التنبؤ، فأنت واثق من