وجود النور غدا لأنك على يقين من طلوع الشمس فيه حاملة النور إلى الكون. ولكن. . هل خطر بذهنك أن الشمس قد تطلع غدا ولا تنير أو قد لا تطلع البتة؟ وأنت تنظم حياتك على أن هذه الظواهر المتلازمة في الماضي، لابد وأن تستمر في المستقبل، فأنت على يقين أنك لو ألقيت بهذه النقود الورقية إلى النار لاحترقت، أو لو وضعت يدك في النار لاحترقت، فأنت لا ترمي بنقودك إلى النار، ولا تضع يدك فيها. وكلنا يشرب الدواء طمعا في الشفاء، ونتجنب الميكروب خوف المرض. والعالم الطبيعي أو الكيميائي حينما يعيد أجراء تجربة فهو متأكد أنه سيحصل على نفس الظواهر التي حدثت في الماضي.
فنحن في حياتنا العملية نتغاضى عن إنكار السببية، ونتناسى أن الأمر قد يكون مجرد ارتباط فقط لا عليه فيه. ونحن نعلم تمام العلم أن معرفتنا بالأسباب تجعلنا قادرين على أن نتنبأ بما سوف يحدث في المستقبل، وبمقدار إحاطة عملنا بالأسباب يكون صحة تنبأنا بالمستقبل. ولكن ذلك لا يغرينا بتكوين رأي ومذهب في الحياة على تجاهل أن الأسباب قد تكون مجرد تلازم ومقارنة لا غير، وما نعده سبباً ما هو إلا لحكم العادة والمشاهدة فقط؛ فقد يثبت ثبوتاً قطعياً أنه ليس هناك من شيء يمكن أن يعد سبباً، وخصوصاً بعد نظرية الحكم (الكوانتم) والميكانيكا الموجبة.
بيد أن كل ذلك لا يمنعنا من أن ننظر في الأمر نظرة مستقبلية نبني عليها مذهبنا في الحياة ورأيا في الوجود.
كلما حدث شيء في الوجود، أو تغير أمر في الظواهر الطبيعية، في بد أن هنالك قوة أحدثت هذا التغير، ونقلت من ثم شيئاً كان موجوداً بالقوة إلى الوجود بالفعل، أو حققت في الواقع شيئاً كان ممكن التحقيق، وليس هناك كائن من كان يستطيع أن ينكر هذه القوة وهذا التغير.
ولن تجد أثنين يختلفان في أن حدوث هذا التغير قد حدث بقوة أو بسبب من الأسباب. ولكن ستجد من يختلف في: هل هاتان الظاهرتان اللتان يتبع بعضهما الآخر. . هل الأولى سبب للثانية، أم أن الأمر مجرد عادة ومشاهدة.؟ وبعبارة أخرى ستجد من يختلف في أن الاطراد والتلازم والمقارنة في الوقوع، هو علة التغير والحدوث.
وهذا الاختلاف الذي هو جوهر مشكلة السببية لا يعنينا أمره كثيراً، وقد كان يعنينا أمره لو