شهدت بعض أصدقائي من المصريين جالسين بالقرب من حلبة الرقص، فانتقلت إلى مائدتهم لتحيتهم. . . ولكن لم يمضي زمن طويل على وجودي معهم حتى سمعنا جلبة قوية آتية من جهة البار، فذهبت لفوري إلى هناك فإذا بأصدقائي الأسبان يتشاجرون مع بعض الفتية الفرنسيين، وقد تمكن الحاضرون من تفريقهم بعد جهد كبير دون الالتجاء إلى البوليس. . أما سبب المعركة فكان نانيت! والمحرك الأول هو مونيوث!
غازل شاب فرنسي جميل نانيت، ولكن مونيوث لم يفعل شيئاً وقتئذ برغم ملاحظته الأمر، وذلك عملاً بمبادئه السلمية وتغلباً على الغيرة المرذولة! ولكن مونيوث المسكين لم يطق صبراً حينما شاهد نانيت تبتسم بدورها لمغازلها، فأفلت منه جواد الغيرة الجامح. . فأمسك مونيوث بكرسي وقذف به الشاب الفرنسي عندئذ هب بعض الفرنسيين الحاضرين للدفاع عن مواطنهم، وكان بغض الفرنسيين للأجانب شديداً في ذلك العهد، فهب الأسبان بطبيعة الحال للدفاع عن مونيوث.
انتقلنا بعد ذلك إلى صيدلية ضمدت فيها الجراح وأهمها جرح بليغ في شفة مونيوث السفلى، إذ كنا عازمين على السهر إلى آخر الليل حتى لا نستقبل السنة الجديدة بمثل هذا الحادث المكدر. . ثم قصفنا طويلاً في أحياء باريس المختلفة.
سألت مونيوث ونحن في طريق العودة إلى الفندق ألا يزال ينكر الغيرة ولا يؤمن بدمه الشرقي العربي؟ فأومأ برأسه اعترافاً بهزيمته أمام الغيرة، وبما يخالط دمه الأسباني من دم عربي حر. . واكتفيت بهذا الإيماء، فان الكلام كان يؤلمه، لأن فمه لا يزال دامياً، ولعل قلب مونيوث المسكين كان أدمى من فمه!. .