للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وجودها وقت توتر، جعل أنظار الناس تتطلع إلى المستقبل وهي يائسة حائرة متلهفة مترقبة تبحث عن مخلص يخرج من بينهم، فيفتح لهم باب الرحمة في السماء، وباب النعمة في الأرض.

. . . يفتح باب الرحمة بأن يطهرهم من أدناسهم وأرجا سهم برسالته النبوية. . ويفتح باب النعمة بأن ينشر الأمن في ربوع أرض يهوذا، ويعلى ألوية بني إسرائيل، ويخلصهم من هذا العذاب الروماني المتلاحق. وحين مولد المسيح عليه السلام كانت القلوب قد بلغت الحناجر، ولم يعد في القوس منزع. وترقب اليهود ظهور المخلص على أحر من الجمر، واعتقدوا أنهم لن يموتوا حتى يروه يخلصهم وينشر الأمن على أرض يهوذا. وكثرت النبوءات عن ظهوره، وبشر به الشيخ المهيب الذي يعمد الناس في نهر الأردن وهو يوحنا المعمدان. وما أن ظهر عيسى حتى تلقت به الأنظار وكان ما كان من أمره. وكذلك وجدت فكرة المخلص في الإسلام، ولعبت دوراها ما في التاريخ والتفكير الإسلامي. وقد ظهرت تحت أسم المهدي والإمام القائم الذي يعلمه جبريل عليه السلام، وإذا مات بدل غيره والذي لابد أن يحكم يوما ما ويملأ الدنيا عدلا بعد أن ملئت جورا.

وفكرة الخلاص والمخلص ظهرت في حقب مختلفة تحت أسماء مختلفة من إسماعيلية وقرامطة وسنوسية ووهابية، وحديثنا البابية والبهائية ومهدي السودان.

ونجد كذلك أن الناس لا يقف تأثير المستقبل فيهم عند الحد الذي يجعلهم ينتظرون الخلاص فيه في الدنيا، بل تعداها إلى الآخرة. فالمستقبل هو الذي جعل الفقراء يتعزون عن البؤس الذي هم فيه باليوم الآخر حيث يجزون على النصب والشقاء في هذه الدنيا حنة عدن ونهر عند مليك مقتدر، إذ أن الله بعدله لن يذيق الإنسان الشقاء مرتين: شقاء في الدنيا، وشقاء في الآخرة. ولا النعيم مرتين: نعيما في الدنيا ونعيما في الآخرة. وهكذا نرى خطر هذا التأثير في الدين وبالتالي في المجتمع

وقد رأينا كيف تتشكل حياة الناس أفراد وجماعات بأوجه الزمن الثلاثة. وقد كنا نود أن نحدثك عن هذا التشكيل للحياة في الدول الكبرى وكيف تسير سياستها على هذا الأساس؛ فأمريكا مثلا تسيرها سياسة الاهتمام بالحاضر والمستقبل، وبريطانيا يسيطر على سياستها التوازن بين الماضي (حزب المحافظين) والمستقبل (الأحرار) فأما نحن فأرجو أن نكون قد

<<  <  ج:
ص:  >  >>