إليه كأن فيه خلاصهم ونجاتهم؛ أو على الأقل ينظرون إليه كعزاء لهم. وهؤلاء يحسون بأن الحياة في التغير والحركة، س والموت في الثبات والجمود؛ فهم يحبون المغامرة والمخاطرة ويميلون إلى المقامرة، وهؤلاء هم الطامحون أصحاب المثل العليا وذوو القلوب الكبيرة والآمال العريضة والهمم العالية، منهم العلماء والرواد والمخترعون والمكتشفون والمصلحون وأصحاب المبادئ والمذاهب الذين ينظرون دوما إلى الأمام، ويرون في المستقبل الخلاص والنجاة. وهذا الاهتمام بالمستقبل، والتعلق بالمثل العليا هو علة التقدم والدافع الوحيد إلى الرقي، فلو لم يكن لكل إنسان أمل يجهد لتحقيقه، وغاية ما يسعى إليها، وهدف من الحياة يقصده ويلد له العذاب في سبيله، لما وجدت الدنيا، ولا وجد الناس في الحياة طعما، ولا من سبب يقهرهم على أن يعيشوا. ولو وجدوا الحياة مترعة بالآلام، وإلا فلماذا إذن يعيشون؟ ولماذا لا يتخلصون من هذه الحياة المزعجة القاسية المؤلمة بأنفسهم؟ شيء واحد هو الذي يجعلهم لا يقدمون على ذلك: أنه الأمل على شتى ألوانه من أدناها إلى أسماها؛ فبعضهم همه لقمه سائغة ووجه مليح وملبس جميل وبعضهم همه هم الإنسانية يريد سعادتها. وبعضهم همه الذي يؤرقه أن يتشبث بمركبة الخلود إن لم يستطع أن يقفز في قلبها. فالأمل وإن كان سرابا، والأماني وإن كانت خداعا، تفيد الإنسانية وتدفع الناس إلى التضحية واستعذاب الموت، فالجندي يستشهد راضيا في سبيل وهم إسعاد وطنه، والمؤمن في سبيل إرضاء ربه. وعلى قدر الآمال والعمل على نيلها يكون حظ الأمة من الحياة والرقي.
وهذا الصنف المستقبلي غير مقطوع الصلة بالماضي، فإنه كثيرا ما ينعم النظر في الماضي والحاضر وهذا التلفت الدائم إلى الماضي هو الذي يجعله يضع أمله في المستقبل ويتطلع إليه على إنه طريق الخلاص. فالرجل الذي يشعر بالخطيئة الماضية يظل ندمان أسفا، ولكنه يرجو النجاة والخلاص في المستقبل. والإنسان الذي مسه الضر ولحقه الفشل بأمل الفلاح والتوفيق في المستقبل، وتكاد تكون فكرة التأرجح بين الماضي البعيد والقريب، والمستقبل البعيد والقريب كذلك، هي التي أوجدت الأديان عامة وخلقتها وجعلت لها مكانا في الوجود، أو على الأقل هي العمد الأولى التي ترتكز عليها الأديان، ولولاها لما كان هناك شيء اسمه الدين؛ فنحن إذا أخذنا ننظر في نشأة المسيحية مثلا: وجدنا السبب في