للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بواجبها، وإذا بها ترى المدافع بغير جنود وهناك في مكان قريب جماعة يستعدون للفرار، ورأت العدو يقبل كالسيل المنهمر، فأسرعت إلى أكبر المدافع وانتزعت أدوات الإشعال من الجندي القتيل خلف المدفع وأشعلته وآلت على نفسها ألا تترك مكانها حتى الموت واستمرت في إطلاق النار. ولما رأى الجنود الآخرون ما فعلته هذه المرأة، عادوا إلى أماكنهم وأخذوا يطلقون النار على العدو وانضم إليهم بعض الضباط.

كان القتال شديدا جدا والمقاتلون يتساقطون من الفريقين من حول هذه المرأة (أوجستينا) وهي صامدة في مكانها توالى إطلاق النار وتحث الجنود على الثبات وتبعث في نفوسهم القوة والعزيمة، وهكذا ظلت تمثل أعظم أنواع البطولة النسوية، حتى تراجع المهاجمون خائبين.

وبعد أيام من هذه المعركة وكان كثير من النساء قد احتللن أماكن الجنود الذين قتلوا، وكن أشد تحمسا من الرجال، هب الفرنسيون يملأهم الغيظ والحنق، وعلى غرة اقتحموا أحد أبواب المدينة وكانوا كلما وقع في أيديهم شيء أحرقوه فأحرقوا مستشفى وديرا مليئا بالجرحى. وأرسل قائد الحملة الفرنسية إلى حاكم سرقوسة كتابا يطلب منه التسليم أو إحراق المدينة كلها، فلما شاور الحاكم المواطنين هبت أوجستينا حانقة وهي تقول: (لا، لن نسلم للعدو حتى نهلك جميعا) وأمن الجميع على قولها

فكتب الحاكم إلى قائد الفرنسيين يقول له: (ستظل الحرب بيننا حتى تصير بالمذى). فاهتاج الفرنسيون وأخذ القتال شكلا وحشيا مروعا، فقد كان ينتقل من طريق إلى طريق ومن بيت إلى بيت بل ومن غرفة إلى غرفة، واشتد الأمر وتكاثر القتلى، ولكن كل ذلك لم يفت في عضد المواطنين اللذين صمدوا للعدو صمود الأبطال.

وأخيرا وصلت إلى سرقوسة نجدات قوية، أنزلت الرعب والفزع في قلوب الفرنسيين فاضطروا إلى الانسحاب بعد قتال دام أربعة أيام وبعد حصار دام خمسين يوما.

أما أوجستينا فقد انتشرت أنباء بطولتها بين الناس فتوافدوا يكللون جبينها بأكاليل المجد والشرف، وخلدها الشعراء وعلى رأسهم الشاعر الإنكليزي العظيم (لورد بيرن) بأبيات في غاية الروعة ستظل أنشودة المجد إلى الأبد.

هذه هي أوجستينا التي بلغت قمة المجد رغم أنها من طبقة فقيرة. وكم من النساء خلدهن

<<  <  ج:
ص:  >  >>