إننا - نحن أبناء الشمال والجنوب - قد قدر لنا أن نواجه العدو المشترك وفي سبيل القضاء عليه، لماذا لا نضع أيدينا في يد الشيطان؟ الحقيقة المرة هي أننا لا نزال نتحرج، ولا نزال نتردد، وأننا لا نثق كثيرا بمنطق التاريخ. . التاريخ الذي ينحني لنا في أسف، ويقول لنا في صدق، وعلى شفتيه ابتسامة رثاء: مساكين. . إن (شيطنة) روسيا ما هي إلا أسطورة ضخمة من صنع المخيلة البريطانية. . أسطورة صدقتموها لأنكم أمة تعيش على الأساطير!!
لو كنا نثق بمنطق التاريخ لما خدعنا منطق اللصوص. . لما تحرجنا من مصافحة الشيطان وقد صافحوه، لما ترددنا من محالفة الشيطان وقد حالفوه، لما وقفنا وحدنا نتطلع إلى الصديق ولا صديق! إن هذا الشيطان إذا لم تحني الذاكرة، قد ناصرنا مرة حين لجأ النقراشي إلى مجلس الأمن، وناصرنا مرة أخرى حين لجأ صلاح الدين إلى هيئة الأمم، وناصرنا مرة ثالثة حين لجأت الوفود العربية إلى تلك الهيئة لتعرض عليها قضية مراكش؛ ومع هذا كله فنحن لا نزال متحرجين ومترددين: نعرض عن المودة الروسية والصداقة الروسية، لأنهما في رأي عشاق الأساطير من رجس الشياطين!!
يا حضرات السادة، يا حضرات الزعماء، يا من بيدكم مقاليد الأمور في هذا البلد: فكروا مرة، مرة واحدة في محالفة الشيطان! أقسم لكم أن الشيطان لم يحتل بلادنا، ولم يسرق أقواتنا، ولم يسفك دماءنا، ولم يهدم بيوتنا، وإنما الذي احتل وسرق وسفك وهدم. . هم (الملائكة)!!
الشعر المرسل أو الشعر المنثور
شاع في هذه الآونة لون جديد من ألوان الأدب، أخذت تقدمه لنا الصحف والمجلات الأدبية باسم (الشعر المنثور) تارة وباسم (الشعر المرسل) تارة أخرى!
ولست أدري والله معنى هذين التعبيرين، وما هو المقصود بهما! وأية متعة فنية أو أدبية يجنيها الإنسان من قراءة كلمات متناثرة هنا وهناك، تفصل بينها النقاط الكثيرة، وعلامات التعجب والاستفهام، دون أن يربط بينهما رابط من اللفظ والمعنى فما هي إلا أفكار مشوشة مضطربة، وخواطر غريبة متنافرة لا تجمع بينها وحدة الفكر، ولا وحدة القافية!
أنا لا أستطيع أن أفهم أن هناك (شعرا منثورا) بل الذي أفهمه أن هناك شعرا له أصوله