من المسرحيات ورأيت بعيني هذا الذي يقع على المسرح ويقدم عليه الممثلون. إنها (تقليعة) لا أستطيع أن أرضي عنها ولو رضى عنها ذلك الرجل الذي أقدره دون أن أعرفه، وأعني به الأستاذ زكي طليمات!
لقد كان الجمهور مثلاً في حالة شعورية ساخطة على ذلك الممثل الذي بدور المستشار الإنجليزي المحقق في قضية دنشواي، ولكن تلك الحالة الشعورية قد انقلبت إلى النقيض حين رفعت الستارة بعد انتهاء المشهد لينحني المستشار (الإنجليزي) تحية لجمهور النظارة من (المصريين). . ولقد كان الجمهور مثلاً في حالة شعورية حزينة على (أم محمد) التي خرت صريعة برصاص الجنود الإنجليز، ولكن تلك الحالة الشعورية قد انقلبت هي الأخرى إلى النقيض حين رفعت الستارة بعد انتهاء المشهد وظهرت (الشهيدة) في أحسن صحة وأكمل عافية، لتحي (الباكين) عليها (والمحزونين). . ولقد كان الجمهور مثلاً في حالة شعورية تتدفق إعجابا وحماسة وهو يرى (عبد الرزاق) وقد نسف البيت مضحيا بحياته، مادام هذا النسف سيودي بحياة عدد من جنود الاحتلال، ولكن تلك الحالة الشعورية قد انقلبت المرة الثالثة إلى نقيض حين رفعت الستارة بعد انتهاء المشهد، وبدا الفدائي (الصريع) واقفا على قدميه ليقدم شكره الخالص لحضرات (المفجوعين). . وهكذا كنت أرى تلك (التقليعة) المضحكة وهي تتكرر على خشبة المسرح وتقضي على كل عنصر من عناصر الإثارة النفسية!
إن مثل تلك الحركات البهلوانية كفيلة بهدم ذلك التجاوب الشعوري بين الممثل والمشاهد، وبالقضاء على الواقعية الفنية في العمل المسرحي حين نخرجه في الإطار المادي الذي نهدف من ورائه إلى التأثير في الجماهير. . إن وظيفة المسرح هي أن ينقلنا من عالم الخيال إلى عالم الواقع، هي أن يخدر مشاعرنا ذلك التخدير الذي نحس معه أن هذه الساحة الضيقة التي يتحرك فوقها الممثلون، قد استحالت إلى تلك الساحة الرحيبة الأخرى غير المحدودة، وأعني بها ساحة الحياة. . ترى هل يحتمل منطق تلك الساحة الأخيرة أن ينحني الإنجليز للمصريين، وأن يستيقظ الموتى من رقدة العدم دون أن يحدد الله موعد البعث والنشور؟
إن الجواب متروك للرجل الذي أقدره وأقدر جهوده في خدمة المسرح. . زكي طليمات!