للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بمقدمة كتاب (على هامش السيرة) للدكتور طه حسين في العبارة التالية: (إذا استطاع هذا الكتاب أن يلقى في نفوس الشباب حب الحياة العربية الأولى ويلفتهم إلى أن في سذاجتها ويسرها جمالا، ليس أقل روعة ولا نفاذا إلى القلوب من هذا الجمال الذي يجدونه في الحياة الحديثة المعقدة فأنا سعيد موفق إلى بعض ما أريد)

أنكر استعمال ذلك الفعل بمعنى التنبيه والتوجيه، لأن لفت معناه لوى وصرف.

حقا إن لفت معناها صرف، لكن هل هما مقصوران على معنى الانثناء عن الأمر والإعراض عنه؟ إنك تقول صرفت همي إلى كذا، ويقال هو مصروف إلى كذا، وانصرف إلى الشيء، والمقصود الإقبال والاهتمام، كما يقال صرفه عن كذا: لواه عنه. فالذي يعين المعنى حرف الجر كما في (رغب) مثلا. وعلى ذلك (لفت) على سبيل التضمين. على أنني ألمح في التعبير دقة بلاغية سببها (إيجاز بالحذف) وتقدير الكلام: ويلفتهم عما يخالونه في الحياة العربية من خشونة وجفاف إلى ما في سذاجتها ويسرها من جمال.

وسيقول لي الأستاذ بريري: إبت بما قاله العرب. هذه هي المسألة التي أعود إلى مساجلة الأستاذ من أجلها.

أليس بد مما قالت العرب نصا؟ أولا يجوز لنا أن نقول على نسقهم كلاما جديدا؟ وهل وقفت العصور المتتابعة عندما نطق العرب الأولون دون تطور في المعاني والتعبيرات؟

لقد لمحت في مقالك هذا كلمة (الذوق) إذ قلت في مخاطبة شيخك (مهلا يا سيدي الشيخ، فتلك كلمات غلاظ وأسئلة خشنة لا يحتملها الذوق. . الخ) فهل استعملت العرب هذه الكلمة في هذا المعنى الحديث؟ ولمحت في مقالك الأول كلمة (تطور) إذ قلت فيه (أو ترون أنا سلكنا جادة الصواب أم أخطأنا تطور الأطوار) فهل قالت العرب (تطور)؟ إنني لا أؤاخذك على هذا إلا إذا أردت أن أحاسبك بمنطقك، وهو منطق لا يتفق مع التطور اللغوي وما يبتدعه الكتاب من تعبيرات جديدة، لا تخرج عن النهج العربي، تضاف إلى ثروة اللغة وتطوعها للحياة المتجددة.

ثم أسألك يا سيدي الأستاذ: هل تمنح إطلاق (سيارة) على (الأتموبيل) لأن العرب لم تفعل؟ وهل تمنح إطلاق (قنبلة) على القذيفة المتفجرة لأن العرب لم تفعل؟

لقد رأيتك تفوض المجتمع اللغوي في أمر (كاد) معربا عن قبولك للتركيب إذا أقره، فإذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>