للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في جوهره، وذلك من حيث الباعث والحافز. ولم تكتب فيه الغلبة لأحدهما حتى الآن، بدليل أنه ما برح هناك كتاب يعالجون الآداب (من أبراجهم العالية) ويأتون بالجيد والطريف مما يقرأه الناس ويتأثرون به. وموقف النقاد من هذه القضية كموقفهم من (الشعر) بعد أن استشرت النزعة المادية في مرافق الحياة الاجتماعية، وطغت هذه النزعة على المعنويات والروحانيات فمنهم من يزعم أن (الشعر) أصبح لونا من الترف والفضول، ومنهم من يرى غير هذا، ويؤكد أن الشعر لن يموت بحكم أنه تعبير إنساني يزاوج بين موسيقى المعاني وموسيقى الألفاظ، والكائن الإنساني يستهويه الإيقاع بفطرته وسليقته.

وتباين وجهات النظر إلى الشعر، كما هو الحال في تباين وجهات النظر إلى الأدب والفن في قضيتهما هذه، كل هذا كما يلوح لي، مرجعه إلى التقدم الآلي والصناعي، وإلى إعلاء الماديات على المعنويات، ثم إلى عامل السرعة، وكل هذا من خصائص القرن الحاضر، ومن عوامل الزمن الذي نعيش فيه. ولكن هذه العوامل لم تستطع بعد أن تحول الأدب والفن إلى نظريات اقتصادية ومقايسات ميكانيكية أو صور بدائية مبتسرة.

ولو أردنا أن نسوق ما يقرره أنصار مذهب (الأدب للأدب) تحبيذا لمذهبهم وانتقاصا للمذهب الذي يكافح عنه الأستاذ صلاح لراجع نفسه كثيرا قبل أن يحاول دفع حججهم بالتي هي أحسن وأفحم، ولخلص معي إلى الأدب أو الفن في نتاجه، لا يمكن أن نقسمه إلا من حيث الجودة والرداءة، ومن حيث السمو والإسفاف ومن حيث الزوال والخلود.

٢ - (مذهب الوجودية) الذي أقحمه الأستاذ صلاح (الأدب الملتزم) ليس مما يصح اتخاذه برهانا على أن نظرية الأدب للأدب قد ماتت وعفت آثارها بانقضاء القرن الماضي، لأن هذه (الوجودية إنما هي أسلوب في التفكير، وليست حافزا أو باعثا من البواعث على الابتداع الأدبي أو الفني، ولا مصدرا من مصادر الاستلهام التي تدافع الأديب أو الفنان إلى الخلق. ومعلوم أن الباعث بأني فبل التفكير؛ وإن شئت فقل إنه الشرارة التي يضطرم معها الذهن ويضيء ليعمل، ونحن في قضيتنا هذه قضية الأدب للأدب والالتزام، إنما نعالج الباعث والحافز ومصدر الإلهام ولا نعالج أساليب الفكر.

وفوق هذا فإن هذه (الوجودية) تمتد أطرافها إلى نظريات فلسفية قائمة، ولفتات اجتماعية لا تخلو من الشذوذ، لأنها قامت على أنقاض انهيار نفسي نزل بالواعية الاجتماعية الأوربية

<<  <  ج:
ص:  >  >>