من العقائد والأحكام، جادلوا في الكلمات والألفاظ، جادلوا حتى في القواعد التي وضعوها للجدل! وهكذا صار الجدل شغلهم الشاغل فتلهوا به عن فهم الإسلام، وعظمة الإسلام، وسر دعوة الإسلام. تلهوا به عن إدراك مقومات الحياة، فوقعت كل الشعوب الإسلامية في قبضة المستعمرين وتحت راياتهم. وما من شعب لإسلامي اليوم إلا وتسمع مر شكواه وصرخة أنينه
كان جديرا بالمسلمين أن يعملوا جاهدين على دوام التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم، والتزام رسالته التي لم تترك سبيلا للسعادة إلا شرعته ودعت إليه، ولا سبيلا للشقاء إلا منعته ونفرت منه. أصلحت العقيدة، وكرمت بذلك عقل الإنسان وأزالت عنه وصمة الشرك والعبودية لغير الله، ثم أمدتها بمدد دائم روحي لا ينقطع:
أمدتها بالصلوات التي تصل بين العبد وربه، وتذكره بخالقه ومنشئه، وتنهاه عن الفحشاء والمنكر. أمدتها بالصوم تمرينا على الصبر، وتعويدا على الطاعة، ومراقبة الله في السر والعلن. أمدتها بالزكاة تمرينا على العطف والبر والرحمة والرفق بالمحتاجين. وجعل منها نظاما يحفظ الغنى من الطغيان، والفقير من الحرمان ثم نظرت إلى أن المجتمع الصالح إنما يقوم على العلم والمال والأسرة ونظام الدولة والصحة العامة، والقوة، والعدل، وفي هذه الدوائر رسمت برنامج إصلاحها الشامل، فحثت على العلم ووضعت نظاما للتعامل من شأنه أن يبطل النزاع ويزيل الفساد، ويقضي على أسباب الفتن، ووضعت نظاما للأسرة يقيها الانحلال ويربطها بميثاق المحبة والتعاون. وضعت أصول الحكم وبينت مصادر التشريع، وحثت على اتخاذ الحيطة وإعداد القوة، وأمرت بالرحمة والعدل في كل شيء إلى آخر ما جاءت به هذه الرسالة التي سايرت مقتضيات الطبيعة البشرية، واستطاعت أن ترد العالم في فترة وجيزة عن طغيانه وأن تخرجه من الظلمات إلى النور، واستطاعت أن توجد من رعاة الشاة والإبل عباد الأصنام والكواكب، عبادة الأهواء والشهوات، أمة قوية تؤمن بالله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لها الكلمة المسموعة والسلطان النافذ
أما بعد
فهذا هو مجال ذكرى محمد صلى الله عليه وسلم. وعلى المسلمين إذا أرادوا تصحيح نسبتهم إلى محمد صلى الله عليه وسلم وإلى رسالته أن يخلعوا أنفسهم مما هم فيه من اللهو