آمن الأوائل بهذا كله فآمنوا بأن تمجيد رسولهم وتكريمه إنما يكون عن طريق أتباعه وإحياء سنته، والتحلي بأخلاقه، وإقامة شرعه ودينه. آمنوا بهذا وعلموا أن الإيمان الحق يثمر المحبة الصادقة، وللمحبة الصادقة حقوق وعليها تبعات، فمن حقوقها المتابعة لمن تحب، والرضا لما يرضيه، والغضب لما يغضب. ومن تبعاتها تحمل المشاق والتضحية بالنفس في سبيل رضا المحبوب (قل إن كان آبائكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره)
ظل المسلمون كذلك حتى خف ميزان الإيمان من قلوبهم وانطفأ عنهم نور تلك العظمة وأقفرت بصائرهم من أسرارها ولم يبق لهم إلا صور مرسومة بحروف في الصحف والكتب يرجعون إليها كلما عاودتهم ذكرى تلك العظمة؛ وكلما تذكروها بشهر ربيع، فوضعوها في مستوى العظمات الأخرى وجاروا الناس في تكريم عظمائهم فكرموا بأساليبهم. كرموه بالأناشيد، بالأزجال، بالأنغام، وتفننوا في المحاكاة حتى صاغوا عظمة محمد في أسلوب روائي قصصي وقالوا: قصة المولد الشريف. وما كان لعظمة محمد أن تكون قصة وهي الحقيقة الخالدة. ولكن هكذا ابتدع هذا الأسلوب في تكريم محمد كأثر من آثار الضعف حينما ابتلى المسلمون بالقول دون العمل، وحينما انقطعت الصلة العملية بينهم وبين شريعته صلى الله عليه وسلم
ابتدع هذا الأسلوب من التكريم بعد أن لم يكن، فهل بحث الناس عن سبب ابتداعه؟ وهل تساءلوا عن السر في أنه لم يكن في العصور الماضية، عصور القوة والإيمان، ثم كان في عصورهم؟ هل انصرفوا إلى هذا الجانب الذي كان يرجى أن يعرفوا منه أسباب الضعف الذي أنتاب المسلمين وأن يعملوا على تلافيها وإعادة الإسلام إلى مجده وقوته؟ كلا ولكنهم انصرفوا إلى البحث في أنه بدعة أو ليس بدعة؟ وإذا كان بدعة فهل هي بدعة حسنة أو بدعة غير حسنة؟ وهكذا اختلفت مذاهبهم وتعددت آراؤهم وظلوا إلى يومنا هذا بين محبذ ومنكر، شأنهم في كل شيء تناولوه بروح الجدل الذي صرفهم عن العمل. وما ابتليت أمة في حياتها بشر من كثرة القول وقلة العمل. قد ابتلى المسلمون بالجدل في كل شيء، فصرفهم عن العمل بقدر ما جادلوا: جادلوا في العقائد، جادلوا في الأحكام، جادلوا فيما ليس