للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والتعظيم

ثم ركب النبي ناقته وأردف أبا بكر خلفه. وأخذ طريقه إلى المدينة. وانساب الناس حواليه فرحين مستبشرين حتى دخلوها فإذا أجاجيرها (أي شرفات سطوحها) مزدحمات بالنساء فما رأين شخص النبي حتى علت أصواتهن بالزغردة والأناشيد

وكان صغار الصبيان والجواري يمشون زرافات بين يدي النبي يضربون بالدفوف ويغنون النشيد الذي يصلح أن نسميه (نشيد الهجرة) وأوله:

طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع

وكان الرجال يتحمسون عند سماع زغردة النساء فيترامون على ناقة النبي ويتجاذبون زمامها يريد كل منهم أن يكون هو قائدها. وتفرق الغلمان والخدم في سكك المدينة ينادون (جاء محمد رسول الله. الله أكبر. جاء محمد رسول الله) وأشباه ذلك كلمات الغبطة والفرح والتنويه بقدره الشريف. وعلى جوانب الطريق كان جماعات الجيش يرقصون ويغنون ويلعبون بالحراب فرحا بقدوم النبي

ولما تخلل الموكب دور المدينة جعل سكانها يقفون في وجه الناقة ويضرعون إلى النبي أن ينزل ضيفا عليهم. وكانوا أحيانا يمسكون بزمام الناقة ويميلون رأسها إلى جهة بيوتهم، وهو صلى الله عليه وسلم يقول لهم: خلوا سبيلها فإنها مأمورة. وكانت الناقة تنظر يمينا وشمالا كأنها تفتش عن دار تختارها لنزولها

وأخيرا بركت على باب (أبي أيوب النجاري (الأنصاري) وأرزمت (أي حنت الناقة حنينا طويلا). عندها نزل النبي ودخل الدار قائلا (رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين) فاستقبله أهل الدار بالترحيب، وبرز من داخل البيت جويريات بأيديهن دفوف وجعلن يغنين:

(نحن جوار من بني النجار ... يا حبذا محمد من جار)

قال أنس خادم النبي: (إنني لم أر يوما في عمري أحسن ولا أضوء من ذلك اليوم الذي دخل فيه النبي المدينة ونزل دار أبي أيوب)

رأيتم أيها السادة القراء كيف أن الإسلام نشأ في قلة، وتكون من ضعف؛ ثم استحال الضعف إلى قوة ما لها حد، والقلة إلى كثرة لا يحصى لها عد

<<  <  ج:
ص:  >  >>