خذ يا فؤادي حذرا من مفاتنها ... ولا تغرنك فالرقطاء رقطاء
من ظن في سمها الترياق حاق به ... من جرعة السم إهلاك وإفناء
مالي وللناس لا أحيا بألفتهم ... وإنما أنت لي بعث وإحياء
مذ هام قلبي بكم ما اختار غيركم ... ولا صبا، وقلوب الناس أهواء
أقضي ليالي في نجواك منفطرا ... كما تفطر يوم الوحي سيناء
كأنما خاطري شدو وهينمة ... وجنة من جنان الخلد غناء
شدت لها الورق ألحانا مسلسلة ... فصفقت في شعاب الدوح أحناء
ظلت تنغم في صدري وفي خلدي ... قصيدة من دموع القلب عصماء
الكون ما الكون؟ شطر من روائعها ... والمصطفى روحها والناس أجزاء
رنت إليها الدراري في مباهجها ... وفاض منها على الأيام نعماء
وبش في الفجر إصباح يمور سنا ... وهش في عتبات الليل إمساء
تلكم رغادة دنيا قد كلفت بها ... أولت نداها وكم للسعد إيلاء
أملت على بليغ القول محكمة ... إن البلاغة إيحاء وإملاء
كانت بصدري أسرارا مغلقة ... ما إن يعاودها بوح وإفضاء
ما أفصح الشعر عنها حين أعلنها ... وكيف يفصح تلميح وإيماء
يا هجرة لك فاضت همة وعلي ... يشدها خافق بالعزم مضاء
تركت مكة والأحلام تغمرها ... وللطفولة أطياب وأشذاء
والقلب رهن الحمى ما انفك مدلها ... به وللأرض أشواق وأصباء
إن غبت عنها براها الشوق واحتدمت ... نيرانه واستفاق الجرح والداء
وعشت دهرك في تذكارها وترا ... له الهوى نغم في الصدر بكاء
كلا كما ذاب تهياما بصاحبه ... والأرض أم وأهل الأرض أبناء
والمرء ما زال حنانا إلى وطن ... وإنما وطن القلب الأحباء
إن عاش عاش بهم حتى إذا رحلوا ... فإنما هو أصداء وأنباء
وأنت في الغار والصديق لفكما ... من جانب الله تثبيت وإرساء
مشت عناكب تحميه مناسجها ... وتدفع البغي، والعدوان مشاء