تعطيلا تاما عشرات من السنين في بعض العهود فلم يكن به درس ولا كتاب، ولا علم ولا علماء.
وإذا أردنا أن نفرق بين العصور الذهبية للأزهر، والعصور التي اضمحل فيها شأنه وأقفر واديه؛ فإننا نستطيع أن نقرر أن عصوره الذهبية هي التي كان فيها موجها للحياة مضطلعا برسالته الكبرى في القيام على حفظ الشريعة واللغة عن طريق التفرغ لهما علما وعملا، وأن عصور ضعفه واضمحلاله هي العصور التي تصور فيها أنه مدرسة للتعليم والتخريج فحسب.
ومن تأمل رسالة الإسلام وعرف أنها رسالة الرحمة العامة لهذا العالم كله، أدرك أن الأمة الإسلامية قد حملت أمانة إلهية غالية، ليست هي مجرد أن يؤمنوا بهذا الدين ويتناسلوا نسلا مؤمنا به، ولكن أن يبلغوا هذه الأمانة الإلهية تبليغا واضحا إلى كل ذي عقل في كل زمان ومكان فإن هذه الرسالة هي أساس استقامة العالم ورشاده وتمتعه بالخير والسعادة، ولم ينزلها الله للعرب فقط وإنما أنزلها رحمة للناس كافة.
(يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) فإذا آمن المسلمون بذلك، وأخذوا أنفسهم بمقتضياته، فقد عرفوا أنفسهم، وأدركوا قيمتهم في هذا العالم. وإذا جهلوا ذلك أو نكصوا عنه، فقد تخلوا عن شرف عظيم شرفهم الله به، وخسروا دينهم ودنياهم وأنفسهم وذلك هو الخسران المبين.
يقول الله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) فقد بين لنا أن مرجع هذه الخيري هو اضطلاعنا في الناس بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي مهمة الإصلاح العام والدعوة إلى الاستقامة على سنن الرشاد، والإيمان بالله. ويقول عز وجل في موضع آخر (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) والمعنى في قوله (ولتكن منكم أمة) على التجريد، أي: ولتكونوا أمة هذا شأنها، وهذه رسالتها في الحياة وغايتها، تدعو إلى الخير الذي دعا الله إليه ويكون لها أثر فعال، ورأى عام قوي في إلزام الناس بالمعروف، وصرفهم عن المنكر، فإذا كنتم هذه المة، فقد ضمن الله لكم الفلاح، وإلا قضيتم أيام دهركم ضعفاء لا قيمة لكم بين الناس.