وأول الوسائل التي تتوسل بها الأمة إلى الاحتفاظ بهذه الأمانة الإلهية الغالية وأدانها كما أمر الله إلى أهلها، أن تعنى أكبر العناية بحملة التراث الإسلامي العظيم، وأن تعمل جاهدة على تمكينهم من التقوى فيه، والتفرغ له، ونشره بين الأمم في احسن صورة وأقربها إلى القبول.
إن الأمم الناهضة تخصص للدراسات العلمية طوائف من أبنائها المبرزين فيها، وتجعلهم في معاهد مستقلة لا هم لها إلا التوفير على هذه الدراسات والتفرغ لها، معيشتهم مضمونة، وأمورهم ميسرة، وقد كفوا شأن التفكير في أنفسهم وأهليهم وشئون حياتهم، ولذلك نراهم يثمرون ثمرات طيبة فيما انقطعوا له، ويعطون أممهم من العلم والشرف أضعاف ما تعطيهم من المادة والعناية. فهل نطمع من الدولة في أن تعين الأزهر مثلا على إنشاء معهد للبحث والدرس يتعمق في أصول الشريعة الغراء وفروعها، ويدنى للناس ثمارها الطيبة، فيقدم للمشتغلين بالقانون نظريات مستقيمة تنسيهم نظرياتهم، ويقدم لأصحاب الدراسات الفلسفية نوعا جديدا من القضايا الفكرية يغذي عقولهم وقلوبهم، ويحيي ألوانا من العلم والتفكير في إحيائها الخير كل الخير؟ هل نطمع في أن تعين الدولة الأزهر على إنشاء مثل هذا المعهد؟
إن الأزهر الآن لا يعدو أن يكون مدرسة دينية نظامية لتخريج معلمين أو قضاة شرعيين أو وعاظ ومرشدين، وذلك هو أدنى الشطرين من مهمته التي يبينها قانونه، ويتطلع إليه المسلمون أن يحققها. أما الشطر الأعظم فإنه معطل، وإذا كان أهل الأزهر مسئولين عن تعطيله فإن الدولة تحمل قسطا من هذه المسؤولية، لأن الأزهر مرفق هاممن مرافقها، عليها أن تعنى به وأن تعلم السر في عدم قيامه بأداء رسالته على الوجه الأكمل، وأن تأخذ بيده إلى الطريق الصحيح إذا حاد عنه، وأن تعينه على السير فيه إذا عرفه وعجز عن سلوكه.
إن أزمة الأزهر في الحقيقة ترجع إلى أمرين:
أحدهما: أن مصر قد نسيت أو أوشكت أن تنسى مكانة الأزهر في العالم كله شرقية وغربية، وأنه من أهم أسباب زعامتها الدينية والفكرية على الدول الإسلامية، وأنها تستطيع به أن تكون في مقام عالمي كريم، إذ تجعله مصدرا قويا لدعوة عامة إلى مبادئ تغزو بها العقول والقلوب في عالم كثرت فيه الشرور والمطامع وأنهكته حروب الجشع والاستعمار