رجائه بقدر ما أوتيت من الإسلام. وهذه البراءة تجتث من نفس المسلم الذلة من أصلها باجتثائها الذلة التي يشعر بها في نفسه كل ذليل ولو لم يطلع عليها غيره من الناس. وكم من عزيز في رأي الناس هو في ذاته ذليل ذلة يعرفها هو من نفسه بما يجد من رهبة أو رغبة عندما يلقي من يرهبه أو يرجوه من عدو ينافقه، أو رئيس يمالقه، أو صديق يحابيه.
وهذه العزة النفسية التي يمنحها الإسلام المسلم الصادق تزداد رسوخا بالتحرر من سلطان الوهم الذي حرر الإسلام منه نفس البصير وعقله. فالإسلام حين طالب المسلم بالخضوع لله وحده قد كفاه شر الخضوع لغير الله باسم الخضوع لله بما يبين له ووضح من الأوامر والنواهي، ومن سبل الطاعة وسبل المعصية، ومن الرشد والغي، وما هو فرض وما هو ندب، وما هو مكروه وما هو مباح. وما هو متروك للاستنباط والقياس. كل ذلك مما بينه الكتاب الكريم والسنة المطهرة يسد الطريق علىالخرافات والأوهام أن يكون لها سلطان على المسلم إذا عرف دينه كما ينبغي وتشرب حقا بروح الإسلام.
وقد صان الإسلام عزة الفرد في الجماعة الإسلامية بما قرره من مبدأ المساواة بين الأفراد على اختلاف ألسنتهم وألوانهم من غير نظر إلى نسب أو نشب أو جاه، وبما أقامه من ميزان الحق والعدل في الأحكام. فالقوي في الجماعة الإسلامية ضعيف حتى يؤخذ الحق منه، والضعيف فيها قوي حتى يؤخذ الحق له. كذلك أكد الخليفة الأول في أول خطبة خطبها في خلافته الراشدة. ولم يكن ذلك مبدأ وضعه الصديق رضي الله عنه وإنما هو تعبير صادق عنى اصل كبير من أصول الحكم في الإسلام يتجلى في آيات الكتاب المجيد وفي أعمال الرسول صلوات الله وسلامه عليه. وفي تنفيذ هذا الأصل من أصول الإسلام في الحكم لا يلحق أي المتقاضين ذلة من حكم القاضي. فالمحكوم عليه إنما يخضع لحكم الله لا لحكم أحد، ولا غضاضة على أحد في الخضوع لحكم الله. أما المحكوم له فليس يخشى عليه إلا أن تأخذه عزة بإثم إن أساء فهم معنى الحكم، ونظر إليه من زاوية غير التي ينبغي أن ينظر منها المسلم إلى الأحكام المبنية على الشرع سواء أكانت له أم عليه.
حتى ذلة الفقر وذلة الدين قد وقى الإسلام المسلم شرهما بما جعل له من حق الزكاة عند العجز، وبما حرم من الربا عند التداين وفي التعامل، وبما تكفل به ولى الأمر من سداد الدين عن المدين الذي يموت وليس فيما ترك سداد لدينه. وهذا أمر عجيب تفرد به الإسلام