بين الشرائع يحفظ به لذي الحق حقه، ويخفف به حساب الآخرة عن المدين، ويدفع به ذلة الدين حتى عن ورثته. والنص في ذلك وارد في أكثر من موضع من الصحاح. من ذلك ما ورد في كتاب الفرائض من الجزء الثامن من صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء فعلينا قضاؤه). وهذا طبعا تشريع يلزم كل من يحكم المسلمين بسنة الرسول.
هذا كله في البلاد العربية التي للإسلام فيها دولة وحكم نافذ. أما حيث لا سلطان للإسلام يكفل للمسلم العزة كلها فقد كفل له الإسلام العزة النفسية حين أمره بالهجرة من كل بلد يستضعف فيه إلى بلد يعز فيه، أو يستطيع على الأقل أن يسلم فيه بدينه ولو اضطر أن ينزل بالهجرة عن بعض ماله، لأن الأصل في الإسلام أن الدين فوق كل شيء من نفس وولد ومال. فإن عجز عن الهجرة لأمر مانع، كان عليه ألا يجيز لنفسه سماع ما يشعه بالذلة في نفسه من طعن أو لمز في دينه، لأنه من غير شك يستطيع الخروج من مجلس يهان دينه فيهإن لم يستطع خروجا من بلد لا يملك فيه انتصارا لدينه. وهذا كان الحكم في العهد المكي وأوائل العهد المدني من الرسالة قبل أن يصير للإسلام دولة. وهو حكم يسري في عهدنا هذا في كل بلد يقضي فيه بغير حكم الإسلام. ودليل ذلك كله قريب في الكتاب الكريم: في قوله تعالى من سورة الأنعام المكية:
(وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره. وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) وفي قوله تعالى من سورة النساء المدنية قبل أن تشتد دولة الإسلام: (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم وحتى يخوضوا في حديث غيره، إنكم إذن مثلهم، إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا)، وليس بعد تشبيه المسلم المتهاون المتساهل في ذلك بالمنافق والكافر تهديد ولا وعيد.
وعزة الفرد هي أساس عزة الجماعة. لكن الإسلام قد أحاط عزة الجماعة المسلمة بسياج من الأحكام والنظم التي تضمن للمسلمين استمرار العزة وازديادها على الدهر إذا عملوا بتلك النظم والأحكام.
والأصل الشامل في ذلك مبدأ الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله. وأعجب ما فيه، وهو