أكثر ما يجهله المسلمين اليوم أن المسلمين جميعا يأثمون بترك جهاد العدو إن لم تقم به طائفة كافية لصده والتغلب عليه. وقد اكتفى المسلمون بالشطر الأول ونسوا الشطر الثاني، اكتفوا بقيام طائفة منهم للعدو ممثلة في الجيش، ونسوا الشرط الأساسي، شرط أن يكون الجيش في عدده وعدده كافيا للتغلب والظهور على العدو وإلا كان الجهاد فرضا على كل مسلم يأنم بتركه حتى تتحقق للجيش تلك الكفاية وتتحقق العزة للمسلمين.
لم يكن للمسلمين في أيام النبي وأيام الخلافة الراشدة ولحقبة طويلة بعدها جيش معين محدود، وإنما كان كل مسلم يحمل عبء الجهاد بالسلاح حين ينتدب له في السرية أو الجيش الذي يؤلف حسبما يقتضيه الظرف الداعي له، والمسلمون بعد ذلك من وراء الجيش مدد له. وكان المسلم القادر يقوم بنفقة نفسه وتجهيزها وقد يتحمل تجهيز غيره. فالجماعة الإسلامية كانت كلها جيشا واحدا بالفعل أو بالقوة والاستعداد. فالاستعداد الفردي كان عاما والخروج في الجيش بالفعل كان بين التطوع والإلزام، أو بالأخرى كان إلزاما في صورة تطوع، حقق الله به للجماعة العزة وللفرد فضيلة الجهاد عن رغبة واختيار تحقيقا للعزة النفسية عند الفرد حتى في العمل بذلك الأصل العظيم في الدين أصل الجهاد في سبيل الله.
ولم يترك أمر الاستعداد بالسلاح للفرد وحده ولكن أمرت الجماعة كلها بالاستعداد والبلوغ به أقصى مداه. وهذا هو الأصل الثاني الذي صينت به عزة المجتمع الإسلامي أن تذهب أو تنهار. نزلت بهذا الأصل العظيم سورة الأنفال في قوله تعالى:
(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم، الله يعلمهم) وهذا الأمر وإن وجه إلى الجماعة موجه إلى الفرد أيضا كما يشهد الحديث الشريف. فالجماعة المسلمة والفرد المسلم كل مخاطب بتلك الآية الجامعة، وكل مأمور أن يعين على الاحتفاظ بالعزة للإسلام وأهله بأن يبلغ من القوة والاستعداد أقصى ما يستطاع.
ومن عجيب مظاهر العزة في الدولة الإسلامية ما أوجبه الإسلام على المسلم من حماية الذي يبذل في سبيل حمايته دمه من غير أن يكلفه قتالا أو معونة إلا مبلغا يسيرا يستطيعه كل سنة مقابل تلك الحماية، حتى إن بعض أمراء جيوش المسلمين في الفتوح الأولى رد على قوم جزيتهم بعد أخذها بأيام لما أراد الارتحال لأن ارتحاله سيحول بينهم وبين