اليوم الحبيب الذي ستتسع فيه ملكة الفهم لدي، فأستوعب جميع ما في الرسالة الحبيبة، من الغلاف إلى الغلاف!!
ورجعت إليك في اليوم الثاني فحدثتك عما فهمته وما لم أفهمه، فوجدتك تشاركني الرأي وتقف من موضوعات الرسالة موقفي منها سواء بسواء. ومن هذا اليوم بدأنا نجلس مما على قمطر واحد، ونتنزه معا إذا أردنا أن نزهر ثم لا نترك الحديث يوما واحدا عن الرسالة فنحن إذا أتى العدد الأسبوعي نطالعه بجد ويقظة، ثم نتقابل ليذكر كل منا ما علق بذهنه من الأفكار الجديدة، والبواب الطريفة؛ وبدأنا نكون لنا آراء عن الأدباء من كتاب وشعراء. وكنا نفترق في بعض الأحيان فافضل كاتبا ترى غيره أحق منه، وأميل إلى شاعر تميل عنه، ولكل منا براهينه المسهبة، ودفاعه الطويل.
وجاءت العطلة الصيفية فم نحزن لشيء حزننا على انقطاع حديثنا الدبي عن الرسالة. ثم اتفقنا على أن نتراسل أسبوعيا، فأكتب إليك وتكتب إلي، وكان الحديث لا يتجاوز الرسالة في أكثر سطوره. وما زلت أذكر حملاتنا الصاخبة في رسائلنا السالفة - على الأستاذ الكبير السيد قطب إذ كان يهاجم الرافعي، وقد خيل إلينا في طور اليفاعة أن قطبا متجن أكثر التجني، وأن الرافعي أكبر من أن يتوجه إلى النقد بشيء!! والغريب إننا الآن نرفع الأستاذ سيف قطب إلى قمة شاهقة، ونراه رائجي في الإصلاح، وصاحب مذهب في النقد والأدب، وداعية أمة إلى الإسلام!! فانظر بربك إلى المدى الشاسع بين النظرتين، نظرة اليفاعة المتسرعة، ونظرة الشباب البسيط. وكان مما يبهج خاطرينا معا أن نرى المدرسين يرمقوننا دون الزملاء بعين الإعجاب والاهتمام، فإذا تقدم أحدنا برأي في موضوع، أو نقاش فكرة لكاتب، وجد العيون مفتحة، والعقول منتبهة، وسمع الرد مشفوعا بالإطراء والتقريظ. وكنا نرجع ذلك إلى الرسالة وحدها، فهي التي دفعت بتفكيرنا إلى الأمام، وتداولته بالصقل والتهذيب!!
ولا أزال أذكر أنك قلت لي ذات عشية: يجب أن نشتري الكتب الأدبية النفيسة. فقلت لك وكيف تشتري الكتاب قبل أن نتأكد من صلاحيته؟ فأسرعت تقول: لنا ميزان لا يخطئ، فإذا كان المؤلف من كتاب الرسالة فعلينا أن نسارع إلى اقتناء كتابه. وإذا لم يكون من كتابها فقد نشرت عنه الرسالة في صحيفة الكتب تعريفا أو نقدا، فعلينا أن نحدد موقفنا منه