للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على ضوء هذا التعريف وإذا لم يكن هذا وذاك فلم نبعثر نقودنا في الهواء. وكان رأيك هذا مقبولا لدي في ذلك الحين، فلم أشذ عنه في كثير أو قليل.

أين الأيام السالفة يا صديقي العزيز، وأين أحاديثها الأدبية المشتهاة؟ ليتنا قمنا بتسجيلها برغم ما تتسم به من عجلة واندفاع، ففيها ما يعجب ويروق، وفيها ما يضحك ويدهش!! فقد كان لنا عن كل كاتب وشاعر حديث عريض نقطع به الوقت الطويل. ولا أذكر أن كاتبا أغتصب أكثر أحاديثنا في فترة الدراسة الثانوية كما اغتصبها الدكتور زكي مبارك، فقد وقف في ميدان الرسالة كما يقف الملاكم في ميدان الرياضة، يصارع هذا في عنف، ويناقش ذاك في حدة، ويثير في الأفق الدبي عواصف شديدة عاتية. وكنا نعجب بسلاسته واندفاعه، وكانت روحه الفتية تحلق بنا في أوج شاهق. وكم يتركنا الأسف الآن إذ نشهد زكيا قد نزل عن سمائه بعد أن ترك الرسالة، فنراه يقف الآن في آخر الصفوف، وكنا نرقب له الغد المشرق البهيج!

لقد قلت لك ذات مرة أن الدكتور ذكي مبارك يكتب الحديث ذا شجون في بعض الصحف فاترا مضطربا، وكان حديثه في الرسالة بهجة في العين وأنس الفؤاد؛ فكيف يتفق ذلك مع اتحاد الكاتب والموضوع؟ فقلت في سرعة بادهة: إذا أتحد الكاتب والموضوع فلم تتحد الصحيفتان! وكانت إجابة موفقة أكدت ما نجله للرسالة من تقدير وإعجاب.

ونحن الآن نشعر يحب طاغ للدولة العربية، ونشيد بعظمائها من الزعماء والأدباء، ونحس ان مصر والعراق ولبنان وسوريا وتونس والجزائر واليمن والحجاز وسائر الأمم العربية وحدة لا تنقصم، فمن أكد في نفوسنا هذا الحب الأكيد؟ أنها الرسالة يا صديقي العزيز، فلطالما طالعتنا بقضايا الدول العربية السياسية، وعالجت أمامنا مشاكلها الاجتماعية والخلقية، وأفسحت صدرها للنخبة المختارة من أدبائها ونقادها، فكانت بحق ديوان العرب المشترك، وسجلهم الحافل بأنبائهم وأخبارهم، المقرب لأفكارهم واتجاههم، بل لم تكتف الرسالة بقضايا الدول العربية وحدها! فتجاوزتها إلى الممالك الإسلامية قاطية. وكم قرأنا في صفحاتها أبحاثا هامة عن إيران وتركيا والباكستان وأندونسيا وبلاد القوقاز؛ وطالعنا لكتاب من أبناء هذه البلاد كلمات خالدة في الوحدة الإسلامية، والإخاء المحمدي، مما نرجو أن يكون حقيقة واقعة في العاجل القريب. ولعلك تذكر أننا قرأنا في الرسالة ذات أسبوع

<<  <  ج:
ص:  >  >>