للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بعض أصحابه أن يكتب إليه:

قال للأمير نصيحة: ... لا يركنن إلى فقيه

إن الفقيه إذا أتى ... أبوابكم لا خير فيه

وكان من تلاميذه طائفة من المبرزين، نذكر منهم أبا الحسن السخاوي، وهو أجل أصحابه، وابن الحاجب وغيرهما، وقد بارك الله في أصحابه، فكلهم قد أنجب، وكلهم كان يضمر لأستاذ أسمى آيات الحب والإجلال، حتى أنشد أبو شامة المقدسي من نظمه في ذلك:

رأيت جماعة فضلا فازوا ... برؤية شيخ مصر الشاطبي

وكلهم يعظمه ويثني ... كتعظيم الصحابة للنبي

وترك لنا القاسم أربع قصائد، عرفت الأولى بالشاطبية، وأسمها حرز الأماني ووجه التهاني. والثانية رائية، والثالثة رالية. والرابعة تدعى: تتمة الحرز من قراءة أتمة الكنز.

أما الأولى فأشهر ما خلف، وعدتها ألف ومائة وثلاثة وسبعون بيتا. قال عنها ابن خلكان: لقد أبدع فيها كل الإبداع، وهي عمدة قراء هذا الزمان في نقلهم؛ فقل من يشتغل بالقراءات إلا ويقدم حفظها ومعرفتها، وهي مشتملة على رموز عجيبة وإشارات خفية لطيفة، وما أظنه سبق إلى أسلوبها. أما ابن الجزري المتوفى سنة ٨٣٣هـ فيقول: ومن وقف على قصيدتي علم مقدار ما آتاه الله في ذلك خصوصا اللامية (الشاطبية) التي عجز البلغاء من بعده عن معارضتها، فإنه لا يعرف مقدارها إلا من نظم على منوالها أو قابل بينها وبين ما نظم على طريقها. ولقد رزق هذا الكتاب من الشهرة والقبول ما لا أعلمه لكتاب غيره في هذا الفن، بل أكاد أن أقول، ولا في غير هذا الفن، فإنني لا أحسب أن بلدا من بلاد الإسلامية يخلو منه، بل لا أظن أن بيت طالب عم يخلو من نسخة به. ولقد تنافس الناس فيه، ورغبوا في اقتناء النسخ الصحاح منه حتى أنه كانت عندي نسخة اللامية والرائية بخط الحجيج صاحب السخاوي مجلدة، فأعطيت بوزنها فضة، فلم أقبل. ولقد بالغ الناس في التغالي فيها، وأخذ أقوالها مسلما، واعتبار ألفاظها منطوقا ومفهوما، حتى خرجوا بذلك أن تكون لغير معصوم، وتجاوز بعض الحد فزعم أن ما فيها هو القراءات السبع، وإنما عدا ذلك شاذ، لا تجوز القراءة به، وقال بعضهم يصف الشاطبية:

جلا الرعيني علينا ضحى ... عروسه البكر، ويا ما جلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>