للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويملي عليها إرادته، لأنه صاحب الرسالة والعلم اليقين، ولأنه المسؤول عن هذا العالم وسيره واتجاهاته. أن هذا المسلم ليس له، إذا تنكر له الزمان وعصاه المجتمع وانحرف عن الجادة، أن يستسلم ويخضع ويضع أوزاره ويسالم الدهر، بل عليه أن يثور عليه وينازله ويظل في صراع معه حتى يقضي الله في أمره. وما أحسن ما يقول السيد (محمد إقبال) حرفيا، متمثلا في هذا المقام: (سألني ربي هل ناسبك هذا العصر وأنسجم مع عقيلتك ورسالتك؟ قلت: لا، يا ربي! قال: فحطمه ولا تبالي!).

نريد زعيما يرى أيضا مع شاعر الإسلام أن الخضوع للأحوال القاسرة والأوضاع القاهرة، والأعتذار بالقضاء والقدر، من شأن الضعفاء والأقزام؛ أما المؤمن القوي فهو بنفسه قضاء الله الغالب، وقدره الذي لا يرد. وفي ذلك يقول (إقبال) حرفيا: (إذا أحسن المؤمن تربية شخصيته، وعرف قيمة نفسه، لم يقع في العالم إلا ما يرضاه ويحبه)

نريد زعيما يرى، مع هذا كله، أن الدنيا لا قيمة لها، لا يهمه منها إلا ما يعينه على أداء رسالته. كما يوقن أن من تعدهم كبراء وعظماء ليسوا من ذلك في شيء إذا وزناهم بالميزان الصحيح، وأن هذا الميزان هو مقدار ما يقدمونه للدين والوطن والإنسانية من خير، وإن الإسلام لا يعرف احترام الرجل لنسبه أو جاهه أو ماله فحسب.

ولكن، من لنا بهذا الزعيم وقد أكثرنا من تعداد خصائصه؟ أنه لم يكن صاحب رسالة إلا وقد صنعه الله على عينه وأعده لأداء رسالته، وقد ختم الله رسالاته وسله؛ ولكنه ترك لنا بعد هذا ما أن تركناه لم نضل، وهو القرآن العظيم والخير - كما يقول الرسول الأعظم - لا يزال في أمته إلى أخر الدهر، فلماذا لا نلتمس هذا الزعيم التماسا في البيئات الصالحة لإثباته وأعداده وهي البيئة الدينية؟

أن الناس لا يزالون بحمد الله ينقادون بعامل الدين وأسمه، أكثر من أي عامل أخر، لأن الإنسان متدين بطبعه كما يقولون، ولنا في (آية الله كاشاني) على ما نقول أي دليل!

أن لنا إذا أن ننتظر ظهور هذا (الزعيم) من البيئة الدينية الوحيدة عندنا وهي الأزهر، لو أحسن القائمون على الأزهر اكتشاف العناصر الصالحة من أبنائه، وأحسنوا بعد هذا القيام عليهم؛ ليكون منهم فيما بعد الدعاة الأقوياء للدين ورسالته، لا يعيشون إلا لهذا الهم الكبير؛ وليكونوا رجالا يسمع لهم حين يتكلمون وقادة نلتف حولهم حين يتحركون والله هو

<<  <  ج:
ص:  >  >>