العناية بثيابه وجسمه، فكان يحلق ذقنه في كل يومين مرة، وكان مغرماً باللهو كثيراً، فإذا كان يوم الاثنين جاءنا بكل طريف من أحاديث لهوه ومرحه في بياض يوم الأحد وسواد ليله، ولم نكن نجد عند أحد ما نجد عنده من أخبار معارض الصور ومسارح التمثيل والمتنزهات. جاء في يوم جمعة صباحاً إلى الدائرة وهو تحفة في هندامه وآية في زيه؛ كان في رجله حذاء لماع قد جعل حوله قطعة جوخ من قماش بنطلونه، وحول رقبته عقدة من قماش أزرق اللون قد ربطها ربطة جميلة، وجعل في وسطها دبوساً ماسياً على شكل نحلة جناحاها من ياقوت، لعله قد ورثه عن أمه، ومن جيببه الخارجي تدلى منديل حريري ذو ألوان جميلة، وفي صدره سلسلة ساعة ذهبية رأسها في عروة صدارته وطرفها الآخر في جيبها، وفي إصبعه خاتم زمردي، وفي رأسه طربوش صغير قاتم الحمرة يختال بلذة لارتفاعه فوق ذلك الهندام الجميل. فاجتمعنا حوله ضاحكين نسأله عن سر هندامه الجميل وتأنقه الشديد في هذا اليوم، فقال:
- سأذهب اليوم إلى منتزه (كاغدخانه)، وكل ما أرجوه منكم أن تكونوا عوناً لي على الرئيس ليسمح لي بالذهاب، فان التأخر يضرني كل الضرر. ثم مد يده إلى جيب معطفه وأخرج محفظة أوراقه وسحب من بينها ورقة (حمراء) اللون لوح لنا بها وهو يبتسم ويقارب ما بين جفنيه وينظر إلينا نظرة ذات مغزى، ولكنه ظن علينا بسر تلك الورقة، وأهمنا ما أهمه، وأحببنا أن ينعم ذلك اليوم بنزهة، فذهب أصدقاء أحد الرئيس إليه، وما زال به يكلمه في شأنه حتى سمح له بالذهاب في ذلك اليوم، وكاد صاحبنا يجن حين علم ذلك. فكان يصفق بيديه ويخالف بين رجليه، وقفز إلى الشارع وهو يقول:
- سأقص عليكم غداً ما يكون في هذا اليوم
كنا ننظر إليه نظر حسد ممض، وننظر إليه نظر المحبوس في غرفة مظلمة يؤدي عملاً شاقاً، إلى رجل حر، طليق، يسرح ويمرح كما يحب ويختار
أما هو فطار كما يطير العصفور أفلت من القفص. . . عاد في اليوم الثاني إلى عمله بهندامه المألوف، فاجتمعنا حوله نسأله بإصرار عن سر الورقة (الحمراء) وعن أخبار النزهة في (كاغدخانه)، فلزم السكوت مع أنه هو الذي وعدنا بأن يقص علينا ما يجري معه هناك! كان لا يجيبنا إلا بقوله: